السيّدة فاطمة المعصومة، نموذج المرأة المثاليّة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
أيّها الأحبّة،
نبارك لكم ذكرى الولادة الميمونة للسيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهما السلام)، المعروفة بالسيّدة فاطمة المعصومة.
سبب تسميتها بالمعصومة
اشتهرت هذه السيّدة الجليلة بلقب «المعصومة»، حتّى كاد اللقب بنفسه يشير إليها، ويرجع سببه إلى أنّه لمّا كان عمرُها قصيراً، لم يتجاوز الثلاثين على أكثر الروايات، أطلق عليها الإيرانيّون «معصومة فاطمة» أو «معصومة قمّ»؛ لأنّ كلمة «معصوم» بالفارسيّة تعني «البريء»، وهو وصف يُوصَف به الطفل البريء؛ فيكون ذلك إشارةً إلى طهارتها وصفاء روحها.
أيضاً، يعود اللقب هذا إلى طهارتها واعتصامها عن الذنوب والمعاصي.
السيّدة العالِمة
هذه المرأة الّتي جسّدت في شخصيّتها وحياتها أنبلَ ما يمكن لأيّ رجل أو امرأة أن يتحلّيا به، من صفاتٍ نبيلة، من حُسنِ أدبٍ وأخلاقٍ وعلمٍ ورباطةِ جأشٍ وإرادة...
ومن أبرز ما تحلّت به (عليها السلام) العلم، فقد كانت امرأةً عالِمةً، مدرِكةً لظروف زمانها، والّتي استطاعت من خلال ذلك، مضافاً إلى حُسِن أخلاقها، أن تكون قدوةً لمن حولها في زمانها وما بعده، ويمكن لنا أن نستنبط ذلك من خلال حثِّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على زيارتها، وهو ما يدلّ على مكانتها ورفعتها.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ للهِ حرماً وهو مكّة، ولرسول الله حرماً وهو المدينة، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ولنا حرماً وهو قمّ، وستدفن فيه امرأة من ولدي، تُسمّى فاطمة، مَن زارها وجبت له الجنّة»[1].
عن الإمام الجواد (عليه السلام): «من زار قبر عمّتي بقمّ، فله الجنّة»[2].
ورُوي في شأن علمها، أنّ جمعاً من الشيعة دخلوا المدينة يحملون بحوزتهم عدّة من الأسئلة المكتوبة، قاصدين أحداً من أهل البيت (عليهم السلام)، وصادف أنّ الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) كان في سفر، والإمام الرضا (عليه السلام) كان خارج المدينة. وحينما عزموا على الرحيل ومغادرة المدينة، تأثّروا وأصابهم الغمّ؛ لعدم ملاقاتهم الإمامَ (عليه السلام) وعودتهم إلى وطنهم وأيديهم خالية.
فلمّا شاهدت السيّدة المعصومة غمَّ هؤلاء وتأثّرَهم -ولم تكن قد وصلت إلى سنّ البلوغ آنذاك- قامت بكتابة الأجوبة عن أسئلتهم وقدّمتها لهم. وغادر أولئك الشيعةُ المدينةَ، والتقَوا بالإمام الكاظم (عليه السلام) خارجَها، فقصّوا على الإمام (عليه السلام) ما جرى معهم، وأرَوه ما كتبته السيّدة المعصومة (سلام الله عليها)، فسُرَّ الإمام (عليه السلام) بذلك، وقال: «فداها أبوها!»[3].
قدوة النساء
لو قرأنا بشيء من التأمّل حال السيّدة المعصومة، وكيف أنّها وبعمرٍ قصير استطاعت أن تترك ذاك الأثرَ الكبير والتراث المعنويّ الكبير في وسط الموالين، لأدركنا كيف أنّ للإنسان أن يصلَ إلى تلك المؤثِّريّة في الناس، وأيضاً، يدعونا ذلك لأن نوجِّه فتياتنا للاقتداء بمثل هذه المرأة، وأن يتّخذْنها مثالاً لهنّ.
موئل العرفاء
من الجدير ذكره، أنّ السيّدة المعصومة، كانت وما زالت ملاذاً لأصحاب القلوب والسلوك، فإنّنا نرى كيف أنّهم يلوذون بضريحها، طلباً لشفاعتها، ونيلاً من الفيض الإلهيّ بكرامتها، وهذا إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على تلك المكانة العظيمة الّتي يرَونها بها.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج48، ص317.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج14، ص576.
[3] مهدي بور علي أكبر، كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص170-171, وفيه أنّ الكتاب المشار إليه هناك نسخة خطيّة منه في إحدى مكتبات النجف الأشرف.