الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، وأسد، وثعلبة، وابن يامين، وابن صوريا، فأتَوا النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقالوا: يا نبيَّ الله، إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيُّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدَك؟
فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[1].
ثمّ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قوموا، فقاموا، فأتَوا المسجد، فإذا سَائلٌ خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاكَ أحد شيئاً؟ قال: نعم، هذا الخاتم.
قال (صلّى الله عليه وآله): مَنْ أعطَاك؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلِّي، قال: عَلى أيِّ حَالٍ أعطاك؟ قال: كان راكعاً، فكبَّر النبيُّ (صلّى الله عليه وآله)، وكبَّر أهل المسجد.
فقال (صلّى الله عليه وآله): عليٌّ وليُّكم بعدي، قالوا: رضينا بالله ربَّاً، وبِمحمَّدٍ نبيّاً، وبعليٍّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- : ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[2]»[3].
أيّها الأحبّة،
إنّ هذه الآية المباركة، فضلاً عمّا تشير إليه في مسألة ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتي عدّها علماؤنا من الأدلّة الواضحة على وجوب اتّباعه (عليه السلام)، فإنّها تشير أيضاً، إلى عظمة ما قام به (عليه السلام) من فعل التصدّق وهو في صلاته، فإنّه (عليه السلام) مع ما كان عليه من عبادة وتوجّه إلى الله، قد أتى بفعلٍ يزيد من تقرّبه إليه، وكأنّه (عليه السلام) يعطينا بذلك درساً في فضل التصدّق على الفقراء.
فإذا كان أميرُ المؤمنين (عليه السلام)، وهو سيّد العابدين، لم يفوِّت على نفسه فضلَ الصدقة وفضلَ الشعور بالفقراء والإحسان إليهم وهو في صلاته، فكيف بمن دونه من النّاس، المبتلون بألوان المعاصي والآثام؟!
وإذا كان التصدّق في الأحوال العاديّة أمراً مستحبّاً ومندوباً، فإنّه يصبح أشدّ ضرورة عند وقوع المجتمع عامّة بالضيق الاقتصاديّ، الذي يتأثّر به الكثير من الناس، فمن الحريّ بمن رزقه الله وأنعم عليه من نعمه، أن يمدّ يد العون والمساعدة لمن يراه محتاجاً معوزاً، وإنّ ذلك لا يضيع عند الله -سبحانه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[4].
وقد ورد في فضل الصدقة:
عن الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «اتَّقُوا النارَ ولَو بِشِقِّ التَّمرَةِ؛ فإنّ اللّهَ -عزّ وجلّ- يُربِيها لِصاحِبِها كما يُرْبي أحَدُكُم فِلْوَهُ أو فَصِيلَهُ؛ حتّى يُوَفِّيَهُ إيّاها يَومَ القِيامَةِ، حتّى يكونَ أعظَمَ مِن الجَبَلِ العَظيمِ»[5].
وعنه (صلّى الله عليه وآله): «الصَّدَقةُ تَدفَعُ البَلاءَ، وهِي أنجَحُ دَواءٍ، وتَدفَعُ القَضاءَ وقد ابرِمَ إبراما، ولا يَذهَبُ بالأدواءِ إلّا الدعاءُ والصَّدَقةُ»[6].
وعنه (صلّى الله عليه وآله): «الصَّدَقَةُ تَدفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ»[7].
صَدَقَةِ السِّرِّ
لا بدّ للمرء من أن يتنبّه إلى أنّ أرفع الصدقات هي تلك التي تكون في السرّ؛ فإنّ ذلك أقرب إلى الله -تعالى-، وأبعد من أن يشوبها الرياء وما شاكل من آفات النّفس الأمّارة؛ ولذلك كانت الدعوة إلى الإسرار في الصدقة هي الغالبة في آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
قال -تعالى-: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[8].
المباهلة
وفي الرابع والعشرين من ذي الحجّة، يصادف أيضاً ذكرى المباهلة الّتي حكى الله عنها في محكم كتابه، والّتي تؤكّد على عظمة شأن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام): ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[9].
[1] سورة المائدة، الآية 55.
[2] سورة المائدة، الآية 56.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص186.
[4] سورة التوبة، الآية 120.
[5] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص458.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص137.
[7] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 2، ص433.
[8] سورة البقرة، الآية 271.
[9] سورة آل عمران، الآية 61.