الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «لا يستقيم إيمانُ عبد حتّى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيم قلبُه حتّى يستقيمَ لسانُه»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ لهذا اللسان الذي أنعم الله به على الإنسان، دوراً كبيراً في السير في أحد خطّين متقابلين؛ إمّا في خطّ الارتقاء والتكامل، وإمّا في خطّ الانحدار والتسافل.
ذلك أنّ اللسانَ مدعاةٌ للخير عند حفظه وصونه من الآفات والمعاصي المتعدّدة، ومدعاةٌ للشرّ عند إلقائه على غاربه، من دون رقابة ومحاسبة وضبط وصون.
وقد تتعدّد آفات اللسان، بقدر الاستهانة ببعض الذنوب والمعاصي، التي حرّمها الله ونهى الإنسانَ عنها.
آفات اللسان
من تلك الآفات:
1. الكلام في ما لا يعنيك
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرء، تركُه ما لا يعنيه»[2].
2. الخوض في الباطل
أي الكلام في المعاصي، والتحدّث عنها لترويجها بين الناس، ونشر الفاحشة بينهم، ومن ذلك ما يقع في المجتمع من المخالفات التي يرتكبها بعض الأفراد، فإنّ التحدّثَ عنها في المجالس يُفرِح الأشرار والمنافقين، ويشيع الفاحشة في المؤمنين، وقد قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[3].
والواجب على من علِم من أخيه زلّةً أن يستر عليه وينصحه، لا أن يتّخذ من زلّته موضوعاً يتحدّث عنه في المجالس؛ فإنّ ذلك من أقبح الخصال وذميم الفعال، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): « يا معشرَ من أسلم بلسانه، ولم يخلِص إلى المسلمين، لا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من يتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته»[4].
3. الفحش والسبّ والبذاءة والشتم
إنّ بعض الناس يعتاد لسانه على اللّعن والشتم والبذاءة، فيكون النطقُ بذلك أسهلَ الألفاظ إليه، وربّما يواجه بها صديقَه وصاحبَه وأقربَ الناس إليه، عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «ليس المؤمنُ بالطعّان واللّعان ولا الفاحش ولا البذيء»[5].
4. كثرة المزاح
إنّ الإفراطَ في المزاح والمداومةَ عليه منهيٌّ عنهما؛ لأنّه يُسقِط الوقار، ويُوجِب الضغائن والأحقاد؛ أمّا المزاح اليسير النزيه فإنّه لا بأس به؛ لأنّ فيه انبساطاً وطيب نفس، وكان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يمزح، ولا يقول إلّا حقّاً.
5. الاستهزاء والسخرية بالناس
قال -تعالى-: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾[6]؛ أي الذي يزدري الناس وينتقص من شأنهم، وقد قيل بأنّ الهمز يكون بالقول، واللمز بالفعل، وقد توعّد الله فاعلَهما بالويل، وهو الوأد في نار جهنّم.
6. الغيبة والنميمة
هما من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك حال غيبته بما يكره، والنميمة: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وقد شبّه الله المغتابَ بآكل الميتة، وفي الحديث: «إيّاكم والغيبة! فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا! إنّ الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وإنّ صاحبَ الغيبة لا يُغفَر له حتّى يَغفِرَ له صاحبُها»[7].
وقد أخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّ النمّام يُعذَّب في قبره، وأنّه لا يدخل الجنّة يوم القيامة: «لا يدخل الجنّة نمّام»[8]، والنمّام يُفسِد بين الناس، ويزرع في القلوب الأحقادَ والأضغانَ، ويهدم البيوتَ، ويخرّب الأوطانَ، قال -تعالى-: ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ* هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾[9].
[1] نهج البلاغة، ج2، ص94.
[2] الشيخ المفيد، الأمالي، ص34.
[3] سورة النور، الآية 19.
[4] الشيخ النوريّ، مستدرك الوسائل، ج9، ص111.
[5] الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج1، ص277.
[6] سورة الهمزة، الآية 1.
[7] الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص275.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص268.
[9] سورة القلم، الآيات 10-12.