في زيارة الأربعين وأهمّيّتها
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾1.
أيّها الأحبّة،
في ظلِّ البلاء الذي يعيشه العالمُ أجمع جرّاء وباء كورونا، تأتي ذكرى الأربعين، وهي تحمل ألمَ المصاب الذي حلّ بالإمام الحسين (عليه السلام) وأولاده وأصحابه وأهل بيته، ويزداد الحزن لعدم القدرة على زيارته المباركة من قبل الكثيرين من المحبّين والموالين، والتي لها فضل عظيم وشأن رفيع، ما جعل علماءَنا عبر العصور يدأبون عليها ويشجّعون الناس ويدفعونهم لأدائها.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو أنّ أحدَكم حجّ دهرَه، ثمّ لم يزرِ الحسينَ بن عليّ (عليهما السلام)، لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّ حقَّ الحسين (عليه السلام) فريضةٌ من الله واجبة على كلّ مسلم»2.
وعنه (عليه السلام): «يا عبدَ الملك، لا تدعْ زيارةَ الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، ومُر أصحابَك بذلك، يمدّ الله في عمرك، ويزيد الله في رزقك، ويحييك الله سعيداً، ولا تموت إلّا سعيداً، ويكتبك سعيداً»3.
أهمّيّة زيارة الأربعين
تعود أهمّيّة زيارة الأربعين لما تحمله من مضامين ومفاهيم، مضافاً إلى فضلها وثوابها الجزيل عند الله.
ومن ذلك ما يذكره الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ أهمّيّة الأربعين تعود في الأصل إلى أنّ النهضةَ الحسينيّة، وبفضل التدبير الإلهيّ لآل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله)، تخلّدت في هذا اليوم وإلى الأبد، وأصبحت أساساً وقاعدة»4.
إنّ زيارةَ الأربعين امتدادٌ لذكرى عاشوراء التي خلّدها التاريخ، لتكون عنواناً لثورة المستضعفين والمظلومين في العالم، وينهلوا منها ما يقوّي عزيمتَهم وإرادتَهم في مواجهة الظالمين والمستكبرين، مهما ضعُفَ عتادهم العسكريّة والمادّيّة.
ومن دروس إحياء الأربعين، أنّها تُسهِم في بيان الحقّ في وجه الإعلام الباطل، الذي عمد إليه الأمويّون وغيرهم في طمس عاشوراء ومجرياتها.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في ذلك: «إنّ الدرسَ الذي نتعلّمه من الأربعين هو وجوب الحفاظ على ذكرى الحقيقة وخاطرة الشهادة الحيّة في مقابل طوفان إعلام العدوّ... هكذا كان إعلام يزيد وجهازه الظالم الجبّار الذي كان يسعى إلى إدانة الحسين بن عليّ (عليه السلام) وإظهاره بمظهر الحبّ للدنيا الذي ثار ضدّ جهاز العدل والحكومة الإسلاميّة! ولقد كان بعضهم أيضاً يصدّق هذه الدعايات الكاذبة»5.
كيف نزور الإمام (عليه السلام) عن بُعد؟
لأنّ زيارة ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) لا تتسنّى لأغلب الناس في هذه الأيام، فلا يعني ذلك أن نترك زيارتَه، ونستشعر تلك الأحاسيس والمشاعر التي تربط قلوبنا بذاك الإمام سيّد الشهداء (عليه السلام)؛ لذلك يمكن للموالي أن يزورَه يوم الأربعين، أين ما حلّ من بقاع الأرض، وفي ذلك ورد عن الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّه قال لسدير: «وما عليك يا سدير أن تزورَ قبرَ الحسين في كلّ جمعة خمس مرّات، في كلّ يوم مرّة»، قلتُ: جُعِلتُ فداك! إنّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال (عليه السلام): «اصعد فوق سطحك، ثمّ التفت يمنةً ويسرة، ثمّ ارفع رأسَك إلى السماء، ثمّ تنحو نحو قبر الحسين (عليه السلام)، ثمّ تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، تُكتَبُ لك زورة، والزورة حجّة وعمرة»6.
ومن زيارة الأربعين نختم قائلين:
«السلام عليك يابن سيّد الأوصياء، أشهد أنّك أمين الله وابن أمينه، عشت سعيداً ومضيت حميداً ومتّ فقيداً مظلوماً شهيداً!»7.
1- سور الحجّ، الآية 32.
2- ابن قولويه، كامل الزيارات، ص238.
3- المصدر نفسه، ص286.
4- من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 08/09/1989م.
5- من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 08/09/1989م.
6- الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص589.
7- الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص789.