الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
نعزّي صاحبَ العصر والزمان والإمامَ الخامنئيّ (دام ظلّه) والأمّةَ الإسلاميّةَ جمعاء، بذكرى رحيل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وشهادة حفيده الإمام الثامن من أئمّتنا الأطهار (عليهم السلام)، الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام).
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[1]
أيّها الأحبّة،
شكّلت شخصيّةُ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) النموذجَ الأسمى في سائر الصفات الإنسانيّة النبيلة، حتّى كان قدوةً وأسوةً لمن رام القربَ من الله -سبحانه-.
ورد أنّ يهوديّاً من فصحاء اليهود، سأل عليّاً (عليه السلام) عن أخلاقِ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال (عليه السلام): «صف لي متاعَ الدنيا حتّى أصفَ لك أخلاقَه»، فقال الرجل: هذا لا يتيسّر لي، فقال عليّ (عليه السلام): «عجزتَ عن وصف متاع الدنيا، وقد شهِد الله على قلّته، حيث قال: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾، فكيف أصفُ أخلاقَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقد شهِد الله -تعالى- بأنّه عظيم، حيث قال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾؟!»[2].
وإنّ أشدَّ الناس اقتداءً والتصاقاً بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) واتّباعاً لسننه وأخلاقه، أهلُ بيته الأطهار (عليهم السلام)، الذين جسّدوا في سيرتهم، ما كان عليه (صلّى الله عليه وآله) من مكارمِ الأخلاق ومحاسنِ الأفعال.
وعلى ذلك، كان حفيده الإمام عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام)، الذي لُقِّب بأنبل الصفات وأرفعها شأناً، ما يدلّ على علوِّ مكانتِه وعظيم شأنِه، ومن ذلك:
1. التواضع
كان (عليه السلام) عنواناً للتواضع مع الفقراء وذوي الحاجة والخدم، فقد عُرِف عنه أنّه لم يكن ليجلس على مائدة طعام، وأجيرٌ له يقف لا يشاركه الطعام، حتّى كان ذلك عن رجلٍ من أهل بلخ، قال: كنتُ مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليَه من السودان وغيرهم، فقلتُ: جُعِلتُ فداك! لو عزلت لهؤلاء مائدة؟! فقال: «مه! إنّ الربَّ -تبارك وتعالى- واحد، والأمَّ واحدة، والأبَ واحد، والجزاءَ بالأعمال»[3].
2. السخاء والإحسان
عُرف عنه (عليه السلام) مواساته لإخوانه وشيعته، في أن يمدَّ يدَ العون لهم في حال فقرهم وعوزهم، ولطالما دعا إلى ذلك في أقواله، وقام به بأفعاله.
عن عليّ بن شعيب: دخلتُ على أبي الحسن الرّضا (عليه السلام)، فقال لي: «يا عليّ، مَن أحسن النّاس معاشاً؟»، قلتُ: أنت -يا سيّدي- أعلم به منّي، فقال (عليه السلام): «يا عليّ، مَن حسُن معاشُ غيرِه في معاشه. يا عليّ، من أسوأ الناس معاشاً؟»، قلتُ: أنت أعلم، قال: «مَن لم يعِش غيرُه في معاشِه»[4].
3. إكرامه الضيف
كان (عليه السلام) يُظهِر احترامَه وتقديرَه لضيفه، وقد كان ذلك ديدنَ أبائه الطاهرين (عليهم السلام)، إذ كانت للضيف مكانة وكرامة في سلوكهم وأفعالهم، وممّا ورد في ذلك أنّه استضاف شخصاً، وكان (عليه السلام) يحدّثه في بعض الليل، فتغيّر السراج فبادر الضيف لإصلاحه، فوثب الإمام (عليه السلام) وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: «إنّا قوم لا نستخدم أضيافَنا»[5].
كلمة جامعة
وهذا إبراهيم بن العبّاس، يذكر طرفاً من مكارم أخلاقه:
ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد أفضل من أبي الحسن الرّضا (عليه السلام)؛ ما جفا أحداً، ولا قطع على أحد كلامَه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتّكى قبله، ولا شتم مواليَه ومماليكَه، ولا قهقهَ في ضحكِهِ، وكان يجلس على مائدة مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يُحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى آخرها، كثير الصوم، كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة[6].
[1] سورة الأحزاب، الآية 21.
[2] راجع: الفخر الرازيّ، التفسير الكبير، ج32، ص21.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص230.
[4] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص448.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 6، ص283.
[6] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص470.