الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
نبارك للإمام صاحب العصر والزمان، الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه)، وقائد الأمّة الإسلاميّة، الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، والأمّة الإسلاميّة جمعاء، بذكرى ولادة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وحفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).\
قال الله -تعالى- في النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
أيُّ شرفٍ يعلو على شرف توصيف الله ربّ السماوات والأرض لهذا النبيّ العظيم، وقد أفرد له التوصيف في هذه الآية المباركة في ما يتعلّق بأخلاقه التي تحلّى بها وتجسّدت في شخصّيته المباركة، منذ أن كان طفلاً حتّى يوم رحيله عن هذه الدنيا، إذ كان في طول عمره الشريف، معلّماً وقائداً وقدوة وأسوة للعالمين في السيرة والسلوك والخلُق الحسن والصفات النبيلة كلّها، التي جعلت منه أشرف خلق الله -سبحانه-.
وقد قال فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في أصله الشريف: «أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله -سُبْحَانَه وتَعَالَى- إِلَى مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأرومات مَغْرِساً»[2].
هذا، وإنّ لشخصيّة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أبعاداً مختلفة ومتعدّدة، سوف نعرج -ولو قليلاً- على بعضٍ منها، لنذكر طرفاً من أخلاقه الطيّبة:
حُسنُ العشرة
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أكرم الناس عشرة، وألينهم عريكة، وأجودهم كفّاً، من خالطَه بمعرفةٍ أحبّه، ومن رآه بديهة هابه»[3].
التواضع
في خطبة للإمام عليّ (عليه السلام) يصف فيها تواضعَ النّبي (صلّى الله عليه وآله): «يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِه نَعْلَه، ويَرْقَعُ بِيَدِه ثَوْبَه، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ويُرْدِفُ خَلْفَه، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِه فَتَكُونُ فِيه التَّصَاوِيرُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانَةُ -لإِحْدَى أَزْوَاجِه- غَيِّبِيه عَنِّي؛ فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْه ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا»[4].
مداراة الناس والرفق بهم
قال -تعالى-: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[5].
وعنه (صلّى الله عليه وآله): «أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ، كَمَا أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ»[6].
الوفاء بالوعد
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعد رجلاً إلى صخرة, فقال: أنا لك ها هنا حتّى تأتي، فاشتدّت الشمس عليه، فقال له أصحابه: يا رسول الله، لو أنّك تحوّلت إلى الظلّ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): وعدته إلى ها هنا، وإن لم يجِئ كان منه المحشر»[7].
حسن العهد
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ يهوديّاً كان له على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ، ما عندي ما أعطيك فقال: فإنّي لا أفارقك -يا محمّد- حتّى تقضيَني، فقال: إذاً أجلسُ معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يتهدّدونه ويتواعدونه، فنظر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إليهم، فقال: ما الذي تصنعون به؟! فقالوا: يا رسول الله، يهوديّ يحبسك؟! فقال (صلّى الله عليه وآله): لم يبعثني ربي -عزّ وجلّ- بأن أظلم معاهداً ولا غيره، فلمّا علا النهار، قال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّداً عبدُه ورسولُه»[8].
من مواعظ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)
عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (صلوات الله عليه) أنَّه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ: طُوبَى لِمَنْ طَابَ خُلُقُهُ، وَطَهُرَتْ سَجِيَّتُهُ، وصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ، وحَسُنَتْ عَلَانِيَتُهُ، وأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ، وأَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ»[9].
[1] سورة القلم، الآية 4.
[2] نهج البلاغة، ج2، ص185.
[3] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص341.
[4] نهج البلاغة، ص228.
[5] سورة آل عمران، الآية 159.
[6] الحرّانيّ، تحف العقول، ص48.
[7] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص78.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص216.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص144.