محاور الموضوع الرئيسة:
- حضور الله في حياتنا وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية.
- أثر حضور الله في حياتنا.
- كيف نشعر بالرقابة الإلهية في حياتنا؟
- فرصة شهر رمضان المبارك وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية.
الهدف:
التعرّف على عناصر تنمية الشعور بالرقابة الإلهية.
تصدير الموضوع:
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجابر بن عبدالله الأنصاريّ: يا جابر، هذا شهر رمضان، مَن صام نهاره، وقام وِرْداً مِن ليله، وعفّ بطنَه وفَرْجَه، وكفَّ لسانَه، خرج مِن ذنوبه كخروجه مِن الشهر.فقال جابر: يا رسول الله، ما أحسنَ هذا الحديث! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا جابر، وما أشدَّ هذه الشروط! 1
1- لقاء الله وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية: لا يوجد كمالٌ للإنسان أجلّ وأرفع من لقاء الله سبحانه وتعالى، وهو من أسمى مقامات الإنسانية الشامخة. ولا سعادة أكبر للمؤمن من التقرّب إلى الله تعالى صاحب الكمال المحض، والقدرة اللا محدودة، والعلم المطلق، ولا راحة أعلى من اليقين بأن الإنسان لا محالة راجعٌ إلى ربٍّ ودودٍ رحيمٍ. وقد بشّر عزّ وجلّ المؤمنين بلقائه فقال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ﴾2. ووعد الذين يرجون لقاءه بأن لهم ما يأملون: ﴿مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّميعُ الْعَليمُ﴾3.
2- حضور الله في حياتنا وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية: لقاء الله تعالى على نحوين، لقاءٌ في الدنيا ولقاءٌ في يوم القيامة، وكلامنا هنا يتمحور حول لقاء الله في الدنيا. وليس المقصود بلقاء الحق تعالى اللقاء الحسّي ورؤيته تعالى بالبصر المادي، لأن الله تعالى ليس بجسمٍ، ولا يحدّه مكان، ولا يُرى بالعين، فإنه ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ﴾4 بل المراد به اللقاء المعنوي، بمعنى حضوره تعالى الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه أبداً، والتوجّه إليه باستمرار، ومشاهدة آياته وآثار قدرته تعالى في كلّ شيءٍ. فلا نعبد غيره، ولا ندعو سواه، ولا نطلب حوائجنا إلا منه. فالإنسان عندما يدرك أن الله تعالى خالقه، ومالك كل شيء، وبيده الأمر كله، وهو في السماء إلهٌ وفي الأرض إله، وهو ربّ العالمين، فمن الطبيعي أن يتوجّه إليه بالعبوديّة له والتسليم.
وكيف لا يكون ذلك وهو تعالى معه أينما ولّى وجهه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ﴾5.
3- أثر حضور الله في حياتنا: إذا أدرك الإنسان أنه في محضر الله تقدّست ذاته، وأنه مطّلعٌ على جميع حركاته وسكناته، فلن يقوم بالأعمال التي لا ترضي الله، ولن يعصيه أبداً. بل سوف يسعى دائماً لأن يجعل كلّ أعماله موافقةً لإرادته تعالى وخالصةً لوجهه سبحانه. فالله تعالى يرى ويشاهد أعمال الإنسان، وليس هو وحده وإنما رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومون شاهدون على أفعالنا أيضاً ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾6. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "تُعرَض الأعمال على رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أعمالُ العبادِ كلّ صباحِ أبرارها وفجّارها فاحذروها وهو قول الله تعالى ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُه﴾، وسكت"7. وعندما سُئل عليه السلام عن "المؤمنون" في الآية الكريمة قال: "هم الأئمة"8.
فإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة عندها سوف يسعى لاجتناب المعاصي وفعل الصّالحات. أما إذا لم يطّلع الإنسان على أصل أن "الله معه" دائماً، وظنّ أنه غائبٌ عنه، فإنه سوف يغرق بالغفلة، وسوف يتهاون في أداء الأعمال الواجبة عليه، ولن يهتمّ باجتناب المحرّمات. بخلاف ما إذا أدرك أن الله تعالى محيطٌ به ووجد نفسه دائماً في مشهده ومحضره، فإنه يسعى لأداء كل الأعمال طبق الإرادة الإلهية. وهذه الأعمال التي تؤدّى وفق إرادة الله هي أعمالٌ مقرّبةٌ إلى الله، كالصلاة مثلاً التي هي "قربان كل تقي". وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحدّ فاعتقد أن الله ناظرٌ إلى أعماله، راعى الخلوص أيضاً في كل أعماله. فهو من جهةٍ يؤدّي الأعمال بحسب أوامر الله، ومن ناحيةٍ ثانية يكون مخلصاً في القيام بأعمال البرّ والخير. وهذه منزلةٌ رفيعةٌ يصل إليها الإنسان وهي متيسّرة للجميع، فما أخسر الذين يبيعون أنفسهم للدنيا وهم مدعوّون للوصول إلى هذا المقام الرفيع.
4- كيف نشعر بالرقابة الإلهية في حياتنا؟ إذا كان كمال الإنسان وسعادته الحقيقيّة تكمن في التقرّب إلى الله وصيرورته عند الله كما هو حال الشهداء، فإن تحقّق ذلك إنما يكون من خلال أمرين أساسيّين هما: المراقبة والمحاسبة. فالإنسان إذا أدرك أنه في محضر الله لا بدّ له من مراقبة أعماله والانتباه لتصرّفاته من جهة، ومن جهةٍ أخرى عليه أن يحاسب نفسه باستمرار. فالمراقبة الدائمة والحساب المستمرّ هما اللذان يوصلان الإنسان إلى المكان الذي لا ينظر فيه إلا إلى الله. ويبيّن القرآن الكريم هذين الأصلين في سورة الحشر المباركة بقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾9. فهذه الآية تدعونا إلى أصلين أخلاقيين، الأول المراقبة والثاني المحاسبة. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "حاس بوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ووازنوها قبل أن توازنوا حاسبوا أنفسكم بأعمالها وطالبوها بأداء المفروض عليها والأخذ من فنائها لبقائها"10.
5- فرصة شهر رمضان المبارك وتنمية الشعور بالرقابة الإلهية: أفضل الأعمال في شهر رمضان: سأل أمير المؤمنين علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم:أفضل الأعمال الورع عن محارم الله"، فالورع عن محارم الله إضافة إلى ترك جميع أنواع المحرمات والمخالفات الشرعية، يحتاج -ولاسيما في شهر الله- إلى معرفة خصائص شهر رمضان المبارك وأسراره وأهمها:
- أنه شهر القرآن والهداية: قال الله تعالى:... ﴿شَهْرُ رمَضانَ الّذي أُنْزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً لِلنّاسِ وبيّناتٍ مِنَ الهُدى والفُرقان﴾11.
- التكريم بالتكليف: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما فرَضَ اللهُ صيامَ شهر رمضانَ على الأنبياء دون الأُمم، ففضّل اللهُ به هذه الأُمّة، وجعل صيامَه فرضاً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أُمّته"12.
- الاستفادة من خيرات وبركات شهر الله: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذ دخل شهر رمضان، فاجهدوا أنفسَكم؛ فإنّ فيه تُقسّم الأرزاق، وتُكتب الآجال، وفيه يُكتَب وفدُ الله الذين يَفِدون إليه، وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر"13.
-شهر تثبيت الإخلاص: قالت مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام: "فرَضَ اللهُ الصيامَ تثبيتاً للإخلاص"14.
- شهر الصيام زكاة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام"15.
- التطوع بالصلاة والذكر: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن تطوّع فيه بصلاةٍ كتَبَ اللهُ له براءةً مِن النار، ومَن أدّى فرضاً كان له ثوابُ مَن أدّى سبعين فريضةً فيما سواه من الشهور، ومَن أكثرَ فيه مِن الصلاةِ علَيّ ثقّل اللهُ ميزانَه يومَ تخفّ الموازين، ومَن تَلا فيه آيةً مِن القرآن كان له مِثلُ أجرِ مَن ختم القرآنَ في غيره من الشهور.."16.
1- الكافي للكليني 87:4 / ح 2 ـ باب أدب الصائم.
2- البقرة: 223
3- العنكبوت: 5
4- الأنعام: 103
5- الحديد:4
6- التوبة: 105
7- الكافي: ج1، ص219
8- نفس المصدر السابق
9- الحشر: 18
10- مستدرك الوسائل: ج12، ص154.
11- سورة البقرة:185.
12- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 62:2.
13- بحار الأنوار للشيخ المجلسي 375:96.
14- بحار الأنوار للشيخ المجلسي 368:96.
15- بحار الأنوار للشيخ المجلسي 246:96.
16- وسائل الشيعة للحرّ العاملي 227:4 ـ كتاب الصوم.