الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[1].
يُعدُّ الإخلاص من أبرز الصفات التي ينبغي أن يتحلّى بها المؤمن في علاقته مع الله، إذ يرتبط بعبادته وتوجّهه وتعلّقه به -سبحانه-، من دون أن يُشرِك به أيّ شيء آخر، وبذلك يتحقّق التوحيدُ الحقيقيّ.
لذلك، حثّت عليه آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، لتنبيه النفس البشريّة وتحذيرها من الوقوع في شوائب التوجّه والارتباط بالله -تعالى-، والذي يبدأ بشكل أساس في نوايا الإنسان، حيث منبع العمل، وأصله الذي يُبنى عليه؛ فإن كان لله، فنعمّا هو، وإلّا فإنّه لا يكون سوى عملٍ فارغ لا قيمة له، مهما عظُم وكثر.
ومن الإخلاص، أن لا يسأل المرءُ أحداً غير الله -تعالى- في كلّ ما يحتاجه ويريد القيام به، ورد أنّ النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) سأل جبرائيل (عليه السلام): «يا جبرائيل، فما تفسير الإخلاص؟ قال: المُخلِص الذي لا يسأل الناسَ شيئاً حتّى يجد، وإذا وجد رضي، وإذا بقي عنده شيء أعطاه في الله؛ فإن لم يسألِ المخلوقَ فقد أقرّ لله بالعبوديّة، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راضٍ، والله -تبارك وتعالى- عنه راضٍ، وإذا أعطى الله -عزّ وجلّ- فهو على حدّ الثقة بربّه»[2].
ما ينافي الإخلاص
ممّا ينافي الإخلاص أمور ثلاثة:
1. الرياء: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشركُ الأصغر يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله): «الرياء»[3].
2. العجب: قال -تعالى-: ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾[4].
3. حبّ السمعة والإطراء: في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر لمّا ولّاه مصر: «وإيّاك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحبّ الإطراء؛ فإنّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحقَ ما يكون من إحسان المحسنين»[5].
الإمام الخمينيّ نموذج رائد في الإخلاص
إنّ أولياءَ الله يحرصون دائماً، لتكون أعمالهم خالصة من شائبة الرياء والعجب وحبّ السمعة والشهرة، في ما يقدمون عليه ويقومون به من أعمال؛ لذلك نراهم صامتين إثر الإطراء الذي يوجَّه إليهم، غير عابئين بآراء الناس ونظراتهم، وجلّ نظرهم هو نظر الله ورضاه، بل إنّهم لا ينظرون إلى ما سوف يحصلون عليه من أجر وثواب، ويرَون ذلك منافياً للإخلاص الحقيقيّ لله -تعالى-.
والإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، من هؤلاء الأولياء، نموذج رائد من نماذج المخلصين لله -تعالى-.
ومن أقواله (قدّس سرّه) في الإخلاص:
«راقب قلبَك وانتبه له، وأَخضِع أعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة، وفتّش في خبايا قلبك، وحاسبه حساباً شديداً مثلما يحاسب شخصٌ من أهل الدّنيا شريكَه، واترك كلَّ عمل فيه شبهة الرياء والتملّق، ولو كان عملاً شريفاً جدّاً. وإذا رأيت أنّك لا تستطيع أداء الواجبات بإخلاصٍ في العلن، فأدِّها في الخفاء، مع أنّه يستحبّ الإتيان بها في العلن»[6].
وقد تجلّى الإخلاص في سيرته المباركة، حتّى عظمت ثورته المباركة، واستمرّ نهجه المحمّديّ الأصيل، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه):
«لم يكن باستطاعة أحدٍ أن يحرّكَ الشعبَ الإيرانيّ سوى تلك اليد الشديدة البأس، وهذا كلّه مردّه إلى شخصيّته. وفي اعتقادي، إنّ أهمَّ سرّ يكمن في سرّ نجاح شخصيّته الإخلاصُ والتوجّهُ إلى الله، اللذان جعلاه متّصلاً بالله. ولقد جسَّد في عمله معنى ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾؛ أي إنّه جعل نفسه متّصلةً بمصدر القوّة الخالدة»[7].
[1] سورة البينة، الآية 5.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج51، ص195.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج69، ص266.
[4] سورة محمد، الآية 14.
[5] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، ج3، ص109.
[6] الأربعون حديثاً، الحديث الثاني، في الدعوة إلى الإخلاص.
[7] مجلّة بقيّة الله، العدد21.