محاور الموضوع الرئيسة:
- موعظة الآخر بوصف واقع النفس والحال.
- من القلب إلى القلب.
- أهم الوصايا الموجّهة إلى الإمام الحسن عليه السلام.
- تذكير بأصول الدين ولا سيما الآخرة.
الهدف:
التعرّف على أهم وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لولده الإمام الحسن عليه السلام والتربّي على قيمها العالية.
تصدير الموضوع:
مما قاله الإمام علي عليه السلام في وصيّته لولده الإمام الحسن عليه السلام: "وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ، وَالاِْقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، والأخذ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأولون مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ...".
يتحدّت الإمام علي َ في وصيته هذه عن مجموعة من الأصول والقواعد التربوية والاجتماعية، -وهي موجّهة للمسلمين جميعاً، وإن كان الخطاب المباشر للإمام الحسن عليه السلام -، التي تصلح لتربية الفرد والمجتمع والأمة.
1- المحور الأول:
موعظة الآخر بوصف واقع النفس والحال: مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ(المعترف له بالشدة)، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ، الذَّامِ لِلدُّنْيَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى، الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً، إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لاَ يُدْرَكُ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الأسقام(هدف الأمراض ترمي إليه سهامها)، رَهِينَةِ(المرهونة، أي أنه في قبضة الأيام وحكمها) الأيام، وَرَمِيَّةِ(ما أصابه السهم) الْمَصَائِبِ، وَعَبْدِ الدُّنْيَا، وَتَاجِرِ الْغُرُورِ، وَغَرِيمِ الْمَنَايَا، وَأَسِيرِ الْمَوْتِ، وَحَلِيفِ الْهُمُومِ، قَرِينِ الأحزان...
2- من القلب إلى القلب:
... وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِليْكَ كِتَابِي هَذا، مُسْتظْهِراً بِهِ إِنْ أَنا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ.
3- أهم الوصايا الموجّه إلى الإمام الحسن عليه السلام:
1- تقوى الله والارتباط الوثيق بالله: يؤكّد عليه السلام على أن التقوى أحب ما يمكن الأخذ به من هذه الوصية، إلى جانب الالتزام بسيرة أهل البيت عليه السلام والصالحين،والتقوى:"وقاية النفس من عصيان أوامر الله ونواهيه وما يمنع رضاه" وكثيراً ما عرفت بأنها"حفـظ النفس حفظـاً تاماً عن الوقوع في المحظورات بترك الشبهات" فقد قيـل: "وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبَهاتِ وَقَعَ فِي المُحَرَّماتِ وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ"1.
والتقوى إن لم تكن من مدراج الكمال والمقامات، ولكنّه لا يمكن بدونها بلوغ أي مقام، وذلك لأن النفس ما دامت ملوّثة بالمحرمات، لا تكون داخلة في الإنسانية، ولا سالكة طريقها، وما دامت تميل إلى المشتهيات و اللذائذ النفسية وتستطيب حلاوتها، لن تصل إلى أول مقامات الكمال الإنساني2.
وهي ليست مجرد عمل، وإنما عمل وراءه التزام وتعهد وتحمّل مسؤولية، وليست هي مجرد التزام، فقد يلتزم الإنسان بشيء تأدّباً، إنما يجب أن يكون التزاماً نابعاً من الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبالرسالة. قال تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾3.
قال عليه السلام في وصيته: فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ أَيْ بُنيَّ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالاْعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ، وَأَيُّ سَبَب أَوْثقُ مِنْ سَبَب بَيْنكَ وَبَيْنَ اللهِ عَزّ وَجَلَّ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ! أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ(اطلب منه الإقرار بالفناء)، وَبَصِّرْهُ(اجعله بصيراً) فَجَائِعَ(جمع فجيعة وهي المصيبة تفزع بحلولها) الدُّنْيَا، وَحَذِّرْه صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالاَْيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الاَْوَّلِينَ...
2- الثبات والأمر بالمعروف: قال عليه السلام: وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ المُنكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ(أي باعدْ وجانبْ) مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جَهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئم، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ(الشدائد) إلَى الحَقِّ حَيْثُ كَانَ.
3- التفقه في الدين والصبر: قال عليه السلام: وَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ، وَأَلْجِىءْ نَفْسَكَ فِي الأمور كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلجِئُهَا إِلَى كَهْف(الملجأ) حَرِيز(الحافظ)، وَمَانِع عَزِيز.
4- الإخلاص لله تعالى: وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الاسْتِخَارَةَ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَلاَ تَذْهَبَنَّ [عَنْكَ صَفْحاً(جانبا)، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ.
5-متى يجب أن نوصي أبنائنا: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً(أي وصلت النهاية من جهة السن)، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ،... وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كالأرض الْخَالِيَةِ مَا ألْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيء قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بالأدب قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ...
6- ماذا يجب أن نوصي أبنائنا ونعلّمهم: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ،... فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِيلَتَهُ(النَخِيل: المختار المصفى)، وتَوَخَّيْتُ(أي تحرّيت) لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ، وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ...،
-وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الإسلام وَأَحْكَامِهِ...
- وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ،
-الاِْقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ.
- والأخذ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الأولون مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ...
4- خاتمة تتضمّن تذكيراً بأصول الدين ولا سيما الآخرة:
- فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَمَالِكُ الحَيَاةِ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ، وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي... فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ(خوفك)
- وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِىءْ عَنِ اللهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وآله وسلم فَارْضَ بِهِ رَائِداً، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِدَاً، فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً(أي لم أقصّر في نصيحتك)...
- وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأتتك رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتِهِ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الأشياء بِلاَ أَوَّلِيَّة، وَآخِرٌ بَعْدَ الأشياء بِلاَ نِهَايَة، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإحَاطَةِ قَلْب أَوْ بَصَر.
1- أصول الكافي، ج1، كتاب فضل العلم، باب إختلاف الحديث، ح9.
2- الإمام الخميني، الأربعون حديثاً.
3- الأنفال، الآية 29.