الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ اللهَ -عزّ وجلّ- فوّض إلى المؤمن أمورَه كلَّها، ولم يفوِّض إليه أن يذلَّ نفسَه«[1].
مفهوم العزّة في الإسلام
العزّة في اللّغة هي: «حالة مانعة للإنسان من أن يُغلَب، من قولهم: أرض عزاز؛ أي صُلبة»[2].
أخذت عزّةُ الإنسان في الإسلام مفهوماً واسعاً، يشمل حياة الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، سواءٌ أكان في الحياة الدنيا أم الحياة الآخرة. وقد خوطب المرءُ بما يحفظ من خلاله عزّة نفسه، وكيف يكون عزيزاً بين الناس، لا يخضع ولا يستكين، ولا يرضخ للمستكبرين والمستبدّين.
لو تأمّلنا قليلاً، نجد أنّ عزّةَ الإنسان، إنّما تنبع من عزّة الله -تعالى-؛ ذلك أنّه مصدرُ القوّة والاقتدار والسلطة، ومنها يستقي المؤمنون عزّتَهم، حينما يلتزمون بأوامره ويعملون لمرضاته ويبلِّغون رسالتَه، ويسيرون على نهج دينه القويم، الذي حدّد لهم بوصلةَ حقّهم وأركانَ ثباتهم، قال -سبحانه-: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعً﴾[3]، وقال: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[4].
العزّة مع جبهة الحقّ
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، في سياق الآيتين المباركتين آنفتَي الذكر:
«العزّة الواقعيّة والكاملة هي لله، ولكلّ من يختار أن يكون في جبهة الحقّ. وفي المواجهة بين جبهة الحقّ وجبهة الباطل، بين جبهة الله وجبهة الشيطان، تكون العزّة لأولئك الذين يختارون أن يكونوا في جبهة الله، هذا هو المنطق القرآنيّ»[5].
تجذّر الشعور بالعزّة طريقُ الانتصار
إذا ما أراد أيُّ مجتمع الوصولَ إلى حقوقه، وصونها وحفظها، لا بدّ أوّلاً من أن يستشعرَ عزّتَه، وأن يكون واثقاً ممّا يحمله من فكر ومؤهِّلات وطاقات، فإنّه لا محالة سوف يصبح أكثر اقتداراً على مواجهة المستكبرين.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «عندما تشمل العزّةُ حالَ أيّ إنسان، فرداً أو مجتمعاً، فإنّها تصبح كالسور والحصن المنيع أمام الأعداء، يصعب النفوذُ إليه، ومحاصرتُه والقضاءُ عليه, فيُحفَظ الإنسان من نفوذ العدوّ وغلبته. وكلّما رأينا هذه العزّةَ متجذّرةً أكثر في وجود الفرد والمجتمع، كانت تأثيراتُ هذا التماسك والحصانة أكثر، ويصل الأمر بالإنسان إلى أن يبقى مصوناً من غلبة العدوّ السياسيّ والعدوّ الاقتصاديّ ونفوذه، ويكون أيضاً محفوظاً من غلبة العدوّ الأكبر والأساسيّ، أي الشيطان، ونفوذه»[6].
ثورة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) وعزّة الأمّة
إنّ انتصارَ الثورة الإسلاميّة في إيران، خيرُ دليل على أنّ المجتمعَ الذي يقف مع جبهة الحقّ ويناهض جبهة الباطل، بكلّ ما أوتي من إيمان وثبات وصبر، لا محالة سيصل إلى أن يكون عزيزاً، يقارع بعزّته المستكبرين والمستبدّين، مهما اشتدّت قوّتهم المادّيّة والعسكريّة.
لقد استطاع الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، من خلال بثّ روح الإسلام، واستنهاض الناس لمواجهة الظلم، أن يثبت أنّ أيَّ فئة تستطيع أن تصلَ إلى حقّها في صراعها مع الظالمين، ما دامت تتّخذ من الإسلام والتوكّل على الله سنداً في تحرّكها.
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الكلام حول هذه النهضة العظيمة للإمام التي أحيت العزّة الوطنيّة في بلدنا وشعبنا، بحث يستند إلى وقائع المجتمع، وليس مجرّد بحث ذهنيّ صرف. ماذا تعني العزّة؟ العزّة هي البنية الداخليّة المتينة لأيّ فردٍ أو أيّ مجتمع، هي التي تهبه الاقتدارَ في مواجهة العدوّ والعقبات، وتجعله يتغلّب على التحدّيات»[7].
سُبل الوصول إلى العزّة
إنّ موجباتِ عزّة المجتمع عديدةٌ وكثيرة، إلّا أنّ أبرزَها مصداقاً شيئان:
1. الجهاد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فرض اللهُ... الجهادَ عزًّا للإسلام»[8].
2. طاعة الوليّ: عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «طاعة ولاة الأمر، تمام العزّ»[9].
إنّ الشهادةَ التي اجتهد في سبيل الوصول إليها الكثيرون من الشعوب الإسلاميّة في أقطار العالم الإسلاميّ، من قادة وغيرهم، سواء أكان في إيران أو فلسطين أو سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان، إنّما تصبّ في عزّة الأمّة ودحر الاستكبار. وهذا ما نراه جليّاً في انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه).
[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص156.
[2] الراغب الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، ص563.
[3] سورة فاطر، الآية 10.
[4] سورة المنافقون، الآية 8.
[5] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، بتاريخ 03/06/2012م.
[6] المصدر نفسه.
[7] المصدر نفسه.
[8] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب أمير المؤمنين (عليه السلام))، ج4، ص55.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص20.