الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «ألا إنّ رجبَ شهرُ الله الأصمّ، وهو شهر عظيم، وإنّما سُمّي الأصمّ؛ لأنّه لا يقاربه شيءٌ من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله»[1].
شهر رجب محطّة روحيّة
أيّها الأحبّة،
كما أنّ للجسد أوقاتاً، يعمد فيها الناس إلى طلب الراحة والاستجمام بعد عناءِ عملٍ طويلٍ وكدٍّ وسعيٍ في سبيل كسب الرزق ومعترك الحياة، كذلك الروح، تحتاج دوماً إلى أن تُصقَل بما يشدّ من عزيمتها ويقوِّم مسارَها، ويشحذ همّتها نحو الاستقامة وفعل الخير، إذ قد يصيبها الجفاف والقسوة، وقد تودي بصاحبها إلى جفاء ما يحرّك نحو الله ويوصله إليه.
من هنا، وبجود الله وفضله، أجزل -تعالى- في بعض الشهور العطاءَ على عباده، وفتح فيها أبوابَ رحمته، حتّى تعمّ كلّ من اتّجه نحوه خاشعاً وداعياً وراكعاً وذاكراً، فضلاً عن عفوه وصفحه وغفرانه.
من تلك الشهور، شهر رجب الأصبّ والأصمّ، وهو أوّل أشهر النور، التي تُعَدّ مقدّمةً لليلة القدر المباركة.
من فضائل شهر رجب
1. شهر الاستغفار: هو شهر الإنابة إلى الله -عزّ وجلّ-، فقد رُوي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «رجب شهر الاستغفار لأمّتي، أكثِروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم... استكثروا في رجب من قول: «أستغفر الله»، وسلوا اللهَ الإقالةَ والتوبةَ في ما مضى، والعصمةَ في ما بقيَ من آجالكم، وسُمّي شهرُ رجب شهرَ الله الأصبّ؛ لأنّ الرحمةَ على أمّتي تُصبّ صبّاً فيه»[2].
2. شهر محو السيّئات: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب شهر عظيم؛ يضاعِف الله فيه الحسنات ويمحو السيّئات»[3].
3. شهر الوصال واستجابة الدعاء: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ اللهَ -تعالى- نصب في السماء السابعة ملَكاً يُقال له: الداعي، فإذا دخل شهر رجب، نادى ذلك الملك كلّ ليلة منه إلى الصباح يقول: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، ويقول الله –تعالى-: أنا جليس من جالسني ومطيع من أطاعني وغافر من استغفرني، الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبتُه... وجعلتُ هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ»[4].
من أعمال هذا الشهر:
من الأعمال التي ينبغي المداومة عليها في هذا الشهر المبارك:
1. الصوم: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب نهرٌ في الجنّة أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر»[5].
ولمن لا يستطيع الصوم، فله أن يتصدّق، ومن لا يستطيع التصدّق، فله أن يقول كما رُوي عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «فيُسبِّح الله في كلّ يوم من أيّام رجب إلى تمام الشهر هذا التسبيح مئة مرة: سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلّا له، سبحان الأعزّ الأكرم، سبحان من لبس العزّ وهوَ له أهل»[6].
2. الذكر والاستغفار: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): « من قال في رجب: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له وأتوب إليه، مئة مرة، وختمها بالصدقة، ختم الله له بالرحمة والمغفرة، ومن قالها أربعمئة مرّة، كتب الله له أجر مئة شهيد، فإذا لقيَ الله يوم القيامة يقول له: قد أقررتَ بملكي، فتمنَّ عليَّ ما شئت حتّى أعطيَك؛ فإنّه لا مقتدر غيري»[7].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص637.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص38.
[3] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص23.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج95، ص377.
[5] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص23.
[6] المصدر نفسه، ص31.
[7] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص216.