أميرُ المؤمنين، نصيرُ النبيِّ الخاتم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يا عليّ، أنت أوّل من آمن بي وصدّقني، وأوّل من أعانني على أمري وجاهد معي عدوّي، وأنت أوّل من صلّى معي، والناسُ يومئذٍ في غفلة الجهالة»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ الحديثَ عن سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وملازمتِه الرسولَ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ورسالتَه المباركة، يحتاج إلى الكثير من السرد والبيان؛ لما يتضمّنه من مواقفَ جليلةٍ وعديدة، تُظهِر مدى ارتباط الإمام به (صلّى الله عليه وآله)، في كلّ ما تعرّض له في مسيرة دعوته، والتي كان لها الأثرُ الأكبرُ في خدمة الرسالة الإلهيّة الخاتمة ونشرها.
كان (عليه السلام)، يقتفي ويقتدي ويتأسّى بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله)، في كلّ ما يقوم به، ينهل منه معاليَ الأخلاق، ومحاسنَ الآداب، وهو القائل (عليه السلام)، مبيِّناً وثاقةَ تلك الرابطة القويّة: «ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه»[2].
لم تكن علاقتُه (عليه السلام) بالنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، إلّا انطلاقاً من إيمانه وتصديقه بكلّ ما جاء به (صلّى الله عليه وآله)، فكان أوّلَ المؤمنين والمصدّقين به، وأشدَّ المسلِّمين، ممتثلاً أوامرَه مذ كان شابّاً يافعاً، وهو القائل (عليه السلام): «أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا الصِدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كاذب مفترٍ، صلّيتُ مع رسول الله سبعَ سنين»[3].
وهو القائل (عليه السلام): «وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ»[4].
إنّ ذلك كلَّه، يُظهر نقاءَ قلبه وفطرته ونفاذ عقله وفكره، حتّى سلّم وأيقن بتلك الشخصيّة العظيمة ورسالته المباركة.
إزاء ذلك، لم يتردّد في مساندة النبيّ (صّلى الله عليه وآله) ومناصرته في أحلك الظروف وأشدّها، في زمن كانت الجاهليّةُ ومبادئُها، تنتشر في بيئة الجزيرة العربيّة انتشاراً شديداً، وتُلقي بمظاهرها وقوانينها الباطلة ما لا يرتضيه ربُّ العزّة والجلالة، ولا تستسيغه الفطرةُ الإنسانيّةُ الخالصة.
لقد أحكم زعماءُ الجاهليّة أهواءَهم بالقوّة والتسلّط، حتّى نفَذَ أمرُهم في تلك البيئة وحياتها الاجتماعيّة المختلفة، وهم يبذلون قصارى جهدهم في الحفاظ على زعاماتهم الواهية المبنيّة على الباطل والظلم وكلّ ما يخالف العدلَ والقسطَ والرحمةَ بين الناس؛ لأجل ذلك لم يسلِّموا لأمر الرسول (صلّى الله عليه وآله)، فعاندوه وحاربوه، وجيّشوا ضدّه الجيوش وأعدّوا العدّة، كي لا يكون لرسالة الحقّ منفذٌ في ما بَنَوه من عروش سلطتهم.
فكان لا بدّ من مواجهتهم ومقارعتهم، ليكون الجهادُ في سبيل إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، عبر الكلمة والبرهان تارةً، وعبر السيف تارةً أخرى، طريقاً للدفاع والذود عن الرسالة وأهلها.
فكان الإمامُ (عليه السلام) يجهد بالكلمة والفعل، في مناصرة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، في زمن قلّ فيه نصيرُ الحقّ المخلص، ليكون أوّلَ المدافعين والمجاهدين بين يدي أخيه وصنوه الأكرم (صلّى الله عليه وآله).
وفي ذلك سجّلت لنا آياتُ القرآن الكريم وسيرة الإسلام، بطولاتٍ جمّة، كانت على يد أمير المؤمنين (عليه السلام)، نذكر بعضاً منها، لنستلهمَ العِبرة، بأنّ من أراد مناصرةَ الحقّ، إنّما يبذل كلّ ما لديه في سبيل إحقاقه، ولا يخاف في الله لومةَ لائم.
ومن ذلك:
- مبيتُه في فراش النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله): إذ اجتمعت قريشُ على قتله، حتّى نزل في حقّه[5] (عليه السلام) قوله -تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾[6].
- معركة أحد: عن ابن عبّاس، قائلاً في أمير المؤمنين (عليه السلام): «وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أي يوم أُحد)، انهزم الناسُ كلُّهم غيره، وهو الذي غسّله وأدخله قبره»[7].
- وقعة الأحزاب (الخندق): وفيها قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيه (عليه السلام): «خرج الإيمانُ سائره إلى الكفرِ سائره»[8]، وقال: «ضربةُ عليٍّ يوم الخندق، أفضلُ من عبادة الثقلين»[9].
- وقعة خيبر: وفيها قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيه (عليه السلام): «والله، لأعطينَّ الرايةَ غداً رجلاً يحبّ اللهَ ورسولَه، ويحبّه اللهُ ورسولُه»[10].
- معركة بدر الكبرى، وفيها نودي من السماء باسمه (عليه السلام)، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «نادى منادٍ في السماء يوم بدر، يُقال له رضوان: لا سيفَ إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا عليّ»[11].
- وقعة ذات السلاسل.
- وقعة بني قريظة.
- وقعة بني النضير.
وغيرها الكثير من المعارك والمواقف التي ساند فيها أميرُ المؤمنين (عليه السلام) الرسالةَ الخاتمة، حتّى أرست مبادئَها الجليلة، وأخرجت الناسَ من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، وكان ذلك كلُّه مساوقاً للدعوة بالكلمة الطيّبة، والبرهان الحاسم، في أحقّيّة مبادئ الإسلام، حتّى قُطِع بذلك دابرُ الكافرين والمشركين، وعمّت مفاهيمُ العدالة وحقوق الإنسان والأخلاق الحسنة، وكان خير ما وصلنا عنه، ما جُمِع في كتاب نهج البلاغة، من خطب جليلة ومحكمة، تحتوي أعظمَ الكلمات وأبلغَها وأفصحَها، وأسمى القيم الإنسانيّة وأرفعها.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص272.
[2] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، ج2، ص157.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ص402.
[4] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، ج3، ص73.
[5] انظر: تفسير الثعلبيّ، ج2، ص126.
[6] سورة البقرة، الآية 207.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 38، ص240.
[8] المصدر نفسه، ج41، ص89.
[9] المالكي، ابن الصباغ، الفصول المهمة، ج2، ص1169.
[10] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص351.
[11] المغازلي، المناقب، ص166.s