الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ هذه الآية المباركة تأتي في سياق زرع الأمل في نفوس الشعوب المستضعفة في الأرض، في أنّ لهم يوماً، يقتصّ فيه الله -تعالى- ممّن ظلمهم وبادر إلى قضم حقوقهم، ويكون فرجهم وخلاصهم من ذلك كلّه على يد حجّته في أرضه، الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، الذي أردفه بمقوّمات القيادة الحكيمة كلّها، ويأخذ بيد البشريّة نحو دولة العدل الإلهيّة، ويحكم بين الناس بالعدل والقسط.
فالإيمان بالإمام المهديّ، يزرع في النفس الأملَ في المجتمعات البشريّة، بأنّ للأنظمة الظالمة والحكّام الظالمين يوماً، ينتهي فيه ظلمهم واستكبارهم.
وفي قبال الأمل الذي يدفع الإنسان إلى الحركة والعطاء، والتهيّؤ والتجهّز، يأتي اليأس ليدمّر حركة الإنسان ونشاطه، وهو ما نهى عنه الله -تعالى- في كتابه، حيث قال: ﴿ولَا تَيأسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾[2]، فإنّ اليأسَ يقوِّض حركة الإنسان، ويجعله مستسلماً أمام الضغوط والبلاءات، ولا يستطيع عند ذلك المقاومة والمواجهة لما يعتريه من ضيق.
وممّا ورد في ذلك ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لأبي ذرّ: «واعلم أنّ استعفاءك البلاء من الجزع، واستبطاءك العافية من اليأس، فدعِ اليأس والجزع، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل»[3].
وتأتي ذكرى ولادة الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) لتحيي فينا الأمل، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «عندما يشاهد البشر أمواج الظلمات والظلم المتراكمة، فإنّهم يصابون باليأس أحياناً. وذكرى الإمام المهديّ المنتظر تدلّ على أنّ الشمس سوف تشرق، والنهار سوف يطلع. نعم، ثمّة ظلمات وثمّة ظالمون وظلمانيّون في العالم، وقد كانوا منذ قرون طويلة، غير أنّ نهاية هذه اللّيلة السوداء الظلماء هي بلا شكّ إشراق الشمس. هذا هو الشيء الذي يعلّمنا إيّاه الاعتقاد بالإمام المهديّ المنتظر، وهذا هو الوعد الإلهيّ المضمون»[4].
الفرج بعد الضيق
أيّها الأحبّة،
عندما نقول انتظار الفرج، فإنّ ذلك يشير إلى أنّ ثمّة ضيقاً سنصاب ونبتلى به في هذه الحياة، فالفرج يكون عقب الضيق والعسر، وبذلك ينبغي على المجتمع الموالي للإمام المهديّ (عجّل الله فرجه)، أن يتوقّع حدوث الضيق عليه، وربّما يكون هذا الضيق متجسِّداً بالضغوطات السياسيّة، أو الاقتصاديّة أو العسكريّة، بل ربّما يكون على شاكلة الحرب الثقافيّة، وما يُسمّى الحرب الناعمة، إذ يعمد أعداء الإنسانيّة وأعداء أهل الحقّ دوماً، إلى حياكة المؤامرات، مستخدمين كلّ ما بوسعهم من أساليب لإخضاع الشعوب المستضعفة.
من هنا، تبدأ مهمّة المنتظرين للإمام (عليه السلام)، بأن يتسلّحوا بسلاح الصبر والتوكّل على الله، وأن يعلموا، بأنّ كلّ ما يصيبهم من بلاء -أيّاً كان شكله، ومهما كانت شدّته- سيأتي بعده الفرج.
وقد ورد في الحثّ على انتظار الفرج العديد من الأحاديث، منها ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله -عزّ وجلّ- انتظار الفرج، ما دام عليه العبد المؤمن»[5].
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في ذلك: «يجب أن لا تسمحوا لليأس والقنوط إطلاقاً أن يتغلّب عليكم. إذا تقرّر أن ييأس الإنسان من حالات الانكسار لكان يجب أن نيأس ونتراجع مئة مرّة خلال فترة النضال، ومئة مرّة خلال حرب الأعوام الثمانية المفروضة؛ يهجمون ليلاً على بيت الإنسان، وينهالون عليه بالضرب والشتم أمام أعين زوجته وأطفاله، ويقيّدونه ويأخذونه، أو حتّى أسوأ من هذا. إذا تقرّر أن ييأس الإنسان، وينزعج من تلقّي الضربات والشتائم، إذاً لوجب أن ييأس المناضلون خلال مدّة النضال، لكنّهم لم ييأسوا، ولو يئسوا لما انتصر النضال. وكذا الحال بالنسبة للحرب أيضاً. في الحرب لم يتحقّق الشيء الذي كنّا نتصوّره ونتوقّعه مراراً... لو تقرّر أن ييأس الإنسان بما يصيبه من هزيمة وتراجع مرحليّ وما إلى ذلك، لما أمكن قيام أيّ شيء وتمامه. لا، لا تسمحوا لليأس بسبب الإخفاقات المرحليّة المؤقّتة، أن يتطرّق إلى حياتكم»[6].
[1] سورة القصص، الآية 5.
[2] سورة يوسف، الآية 87.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص207.
[4] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 14/03/2019م.
[5] الشيخ الصدوق، الخصال، ص616.
[6] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 07/06/2017م.