الحمد لله ربّ العلمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «فتدارك في ما بقيَ تقصيرَك في ما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ لشهر شعبان فضلاً كبيراً، لطالما حثّت روايات المعصومين (عليهم السلام) على اغتنام أوقاته، في أيّامه ولياليه، بالصوم والدعاء والذكر والاستغفار، وإذا ما وقع المرء في التقصير بحقّ هذا الشهر المبارك في أوّل أيّامه، فلا يعني فوات الفرصة، فله أن يعوّض ذلك بما تبقّى من أيّام هذا الشهر المبارك، ويجبر ما فاته من أعمال.
وقد ورد عن المعصومين (عليه السلام) ما يوجّهنا إلى ذلك، كما عن أبي الصلت الهرويّ قال: دخلتُ على الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر جمعة من شعبان، فقال لي: «يا أبا الصلت، إنّ شعبان قد مضى أكثره، وهذه آخر جمعة فيه؛ فتدارك في ما بقي تقصيرَك في ما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك»[2].
ثمّ يكمل الإمام (عليه السلام) موضّحاً وذاكراً أهمّ ما ينبغي على المؤمن القيام به في أواخر شهر شعبان، فيقول:
«وأَكثِر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتُب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله -عزّ وجلّ-، ولا تدعنّ أمانة في عنقك إلّا أدّيتها، وفي قلبك حقداً على مؤمن إلّا نزعته، ولا ذنباً أنت مرتكبه إلّا أقلعت عنه، واتّقِ الله وتوكّل عليه، في سرّ أمرك وعلانيتك، ﴿وَمَنْ يَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ اِنَّ اللهَ بالِغُ اَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَىء قَدْراً﴾[3].
وأَكثِر من أن تقول في ما بقي من هذا الشهر: «اللّـهُمَّ، إِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا في ما مَضى مِنْ شَعْبانَ، فَاغْفِرْ لَنا في ما بَقِيَ مِنْهُ»؛ فإنّ الله -تبارك وتعالى- يعتق في هذا الشّهر رقاباً من النار لحرمة هذا الشهر»[4].
فكما نلاحظ، ثمّة أعمال عديدة وأمور مختلفة، لا بدّ من التنبّه إليها والعمل عليها، من توبة بين يديّ الله، إلى استغفار ودعاء، إلى ردّ أمانة الآخرين، إلى تصفية القلب من الكدورات والأحقاد...
إنّ ذلك كلّه نوع من تصفية النفس من الشوائب التي تقف حائلاً في طريق ارتقاء الإنسان في إنسانيّته وإيمانه وقربه من المولى -سبحانه وتعالى-.
فضل الصوم أواخر شعبان
ممّا ورد فيه فضل عظيم، هو صوم ثلاثة أيّام في العشر الأواخر من شهر شعبان، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من صام ثلاثة أيّام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان، كتب الله له صوم شهرين متتابعين»[5].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان إيماناً واحتساباً، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمّه»[6].
المناجاة الشعبانيّة
ولا ننسى فضل تلاوة المناجاة الشعبانيّة، حيث تتجلّى المفاهيم الرفيعة، التي يرتقي بها المؤمن في مدارج الإقبال نحو الباري -سبحانه وتعالى-، فكراً وعاطفةً وسلوكاً، وهي المناجاة التي ناجى بها المعصومون (عليهم السلام) كلّهم، لما تحتويه من مضامين جليلة وعظيمة.
عن ابن خالويه: «إنّها [أي المناجاة الشعبانيّة] مناجاة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والأئمّة من ولده (عليهم السلام)، كانوا يدعون بها في شهر شعبان»[7].
[1] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص42.
[2] المصدر نفسه.
[3] سورة الطلاق، الآية 3.
[4] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص42.
[5] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص768.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص80.
[7] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص295.