الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في السيّدة خديجة (عليها السلام): «واللهِ، ما أبدلني الله خيراً منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس»[1].
أيّها الأحبّة،
هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، والدتها فاطمة بنت زائدة.
أقامت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أربعاً وعشرين سنة وشهراً، في حياةٍ ملؤها العطاء والجهاد والكفاح في سبيل إرساء كلمة الحقّ، وإزهاق الباطل، وهي تُساند رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) وتؤيّده بالكلمة الطيّبة، والفعل الحسن، حتّى كانت خير النساء زوجة، وخير النساء مجاهدة، صبرت معه (صلّى الله عليه وآله) في أحلك الظروف، بعد أن كانت أوّل النساء به إسلاماً وتصديقاً.
ولم تسعفها سمعتها الطيّبة وجلالة قدرها بين الناس، في أن يحترموا قرارها في ملازمة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، فقد عايشت الحصار في شعب أبي طالب، والذي كان فيه رحيلها الأبديّ في العاشر من شهر رمضان المبارك.
عايشت (رضوان الله عليها) ما تعرّض له الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) من اتّهامات الناس له وتجرّؤهم عليه، من تهمة الجنون إلى الكذب إلى السحر، وهي مع ذلك كلّه صابرة محتسبة، حتّى كانت وبكلّ جدارة من خير من اختار الله -تعالى- من نساء العالمين، إذ قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»[2].
كانت (رضوان الله عليها) تقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام، كي تصل إلى الجبل حيث يمكث النبي ّالأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وتصعد إلى جبل حراء مع علوّه ووحشته، وهي تحمل بين يديها أوعية الطعام والشراب، لتعينه على علاقته بربّه الكريم، وكثيرا ًما كانت تشاركه في جلساته التأمليّة.
ولا نغفل عن وقع موقفها العظيم، حين جاء إليها الرسول حاملاً الأمانة العظمى من الله، فقد آزرته حينها وساندته للنهوض في ما أُلقي عليه من الحِمل المبارك، وقد نزلت آيات القرآن، وهي تشير إلى ذلك الموقف، في قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُر﴾[3].
كذلك دورها في الدعم المادّيّ الذي قدّمته في سبيل نشر الرسالة الإسلاميّة، حتّى قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «ما نفعني مال قطّ، مثل ما نفعني مال خديجة»[4].
السيّدة الرائدة
إذا أردنا أن نصف السيّدة خديجة بما يليق بها من أوصاف، فإنّ فكرنا لا يسعفنا للإحاطة بما كانت عليه من مكانة ومقام على نحو تامّ، إلّا أنّ ما رأيناه من حسن صنيعها وسلوكها ومواقفها، أقلّ ما يقال فيه إنّها كانت امرأة رائدة على أكثر من صعيد، ولها أن تكون قدوة للنساء في الحذو حذوها، في النهوض بالمجتمع عامّة وقضاياه المصيريّة، وتخطّي المعوّقات والشدائد التي تقف حائلاً في طريق ذلك، من خلال الصبر والبصيرة والإرادة والعزيمة.
ومن الجدير بالقول، إنّ السيّدة خديجة كانت امرأة ثائرة من الطراز الأوّل، لا مجرّد امرأة عاشت من دون توظيف قدراتها ومؤهّلاتها، فلقد كانت شريكة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مواجهة انحراف ما كان عليه الجاهليّون من ظلم وتخلّف وجهل.
وفاتها
توفّيت (رضوان الله عليها)، فأصيب الرسولُ (صلّى الله عليه وآله) بالحزن على فراقها، حتّى أسمى العام الذي توفّيت فيه «عام الحزن»، تعبيراً عن مدى تأثّره بوفاتها، وتركيزاً لمقامها ومكانتها في أذهان الناس على مدى الأيّام.
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «لمّا توفّيت خديجة (رضي الله عنها) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتدور حوله، وتقول: أبه، أين أمّي؟ قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام)، فقال له: ربّك يأمرك أن تُقرِئ فاطمة السلام، وتقول لها: إنّ أمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعُمْدُه ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام»[5].
[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج12، ص132.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص2.
[3] سورة المدّثر، الآيات 1-5.
[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص468.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص1.