الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
«يا لا اِلـهَ إلّا أَنْتَ، إِذْ لا إِلـهَ إلّا أَنْتَ، إِنْ كُنْتَ رَضَيْتَ عَنّي في هذَا الشَّهْرِ فَاْزدَدْ عَنّي رِضاً، وَإِنْ لَمْ تَكُن رَضَيْتَ عنِّي فَمِنَ الآنَ فَارْضَ عَنّي يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ»[1].
أيّها الأحبّة،
هذا جزء من دعاء، كان يدعو به الإمام الصّادق (عليه السلام) في كلّ ليلة من ليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
لقد اتّخذت أيّام العشر الأواخر من شهر رمضان ولياليها، مكانة عظيمة في أحاديث المعصومين من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، ويكفيها فضلاً أنّ فيها اللّيلة الثالثة والكبرى من ليالي القدر المباركة، والتي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم.
في العشر الأواخر أمران أساسيّان، لا بدّ من تسليط الضوء عليهما ولو باختصار، هما:
1. الاعتكاف
كان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) يحرصون جدّاً على أداء هذه السنّة المطهّرة، وقد ورد في ذلك عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا كان العشر الأواخر، اعتكف في المسجد، وضُرِبت له قبّة من شعر، وشمّر المئزر، وطوى فراشه»[2].
وإذا كان المقصود من الاعتكاف تلك السنّة النبويّة، في أن يعتكف المؤمن في بيت من بيوت الله، إلّا أنّ كلمة الاعتكاف أيضاً تحمل معنى أوسع، وهو أن يعمد المرء في العشر الأواخر إلى الاعتكاف بقلبه وروحه نحو الله، والابتعاد قدر الإمكان عن علائق الدّنيا، واستغلال أوقات تلك الأيّام والليالي، بالدعاء والتضرّع بين يديّ الله -سبحانه-.
2. يوم القدس العالميّ
في العشر الأواخر أيضاً، يصادف اليوم الذي أعلنه الإمام الخمينيّ (قدّس سرّه) يوماً عالميّاً للقدس، ودعا فيه إلى تكاتف الجهود ورفع صوت الحقّ في وجه المستكبرين الصهاينة، الذين احتلّوا أرض المسلمين ومقدّساتهم، وعلى رأسها مدينة القدس ومسجدها المبارك.
وقد قال (قدّس سرّه) في إعلان هذا اليوم:
»إنّ يوم القدس يوم عالميّ، لا يختصّ بالقدس، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين؛ إنّه يوم مواجهة الشعوب، التي رزحت طويلاً تحت نَيْر الظلم الأميركيّ وغير الأميركيّ، يومٌ يجب أن يستعدّ فيه المستضعفون لمواجهة المستكبرين، ولتمريغ أنوفهم في الوحل.
إنّه يوم الفصل بين المنافقين والملتزمين... الملتزمون يتّخذون هذا اليوم «يوماً للقدس»، ويحرصون على تكريمه. أمّا المنافقون، الذين يرتبطون بالقوى العظمى من وراء الستار، ويعقدون أواصر الصداقة مع إسرائيل، سيتجاهلون هذا اليوم، بل وسيصدّون الشعوب عن الاحتفاء به»[3].
دلالات إعلان يوم القدس
أوّلاً: يوم القدس يوم عالميّ، وليس يوماً خاصّاً بالمسلمين، وفي ذلك إشارة إلى أنّ قضيّة القدس نموذج للصراع بين الحقّ والباطل.
ثانياً: إعلان هذا اليوم في شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر الوحدة بين المسلمين، وهو شهر الفتح المبين، إذ دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاتحاً مكّة المكرّمة في السنة الثامنة للهجرة.
ثالثاً: تحديده في يوم الجمعة، الذي هو يوم عيد، حيث يخرج المسلمون لإقامة الجماعة وأداء صلاة الجمعة.
رابعاً: تحديده في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، والتي تقع في العشر الأواخر منه، والذي يكون فيها الظهور المبارك لصاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه).
[1] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص364.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص274.
[3] من نداء سماحة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) بيوم القدس، بتاريخ 09/06/1979م.