الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
نعيش في هذه الآونة -كما قد مضى في سنين خلت- مواجهةً مستمرّة مع أعداء الأمّة الإسلاميّة، من أولئك الصهاينة الذين يحتلّون أرض المسلمين ومقدّساتهم في فلسطين، ويعتدون بين الفينة والأخرى على لبنان، ويبذلون ما بوسعهم في سبيل إضعاف الأمّة الإسلاميّة، من خلال زرع الفتن واختلاق الحروب هنا وهناك، كما في اليمن وسوريا والعراق...
إنّ هذا كلّه، يستدعي استنهاض نفوسنا، كي نواجه هذه الهجمات الشعواء، سواء أكانت عسكريّة أم سياسيّة أم ثقافيّة، فقد تتعدّد أشكال المواجهة، وإن كان هدف الأعداء واحداً، وهو الانقضاض على خيرات الأمّة وطاقاتها.
وفي ظلّ ذلك، إنّ عدّة المواجهة والمقاومة تتعدّد وتتشكّل، لتكون شاملة للأمور المادّيّة والمعنويّة على حدّ سواء. ففي الوقت الذي يجب علينا أن نتسلّح بالسلاح المادّيّ، علينا أن نتسلّح أيضاً بالسلاح المعنويّ والروحيّ؛ ذلك أنّه منتهى ما ينبغي أن يكون عليه المرء، إيماناً منه بقدرة الله وعظمته، وأنّ بيده ملكوت السماوات والأرض، ومنه يستمدّ القوّة أوّلاً وآخراً.
حسن الظنّ بالله
من هنا، فإنّ ما يتحلّى به القلب، من حسن الظنّ بالله ووعده، يُعدّ أولى الصفات التي يتّصف بها المؤمنون، حتّى كان ذلك السلاحَ الأمضى على أرض الواقع عند كلّ مواجهة بين المؤمنين وأعداء الله، وفي ذلك أمثلة كثيرة، منها واقعة بدر الكبرى، إذ قال فيها الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[2]؛ أي وأنتم ضعفاء، لا قوّة عسكريّة لكم كما كان عليه الأعداء.
والعبرة في ذلك، أنّ أصحاب الحقّ قد يكونون أضعف حيلة من الأعداء، إلّا أنّهم ينتصرون بعون الله وقوّته.
اليقين بنصر الله
إذا أحسن المرء الظنّ بالله -تعالى- فهو لا محالة سيوقن بكلّ ما وعد به -سبحانه-، وممّا وعد به نصر المؤمنين، إذ قال: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[3]، لكنّ هذا الوعد معلّق على سعي المؤمنين في سبيل الله بكلّ ما آتاهم من حول وقوّة، وأن لا يستسلموا لأعدائه.
ويكون نصر الله من خلال طاعته -تعالى- والتزام أوامره، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: «وأَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- بِقَلْبِهِ ويَدِهِ ولِسَانِهِ، فَإِنَّهُ -جَلَّ اسْمُهُ- قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ»[4].
فهذا من الوعود الإلهيّة التي وعد بها المؤمنين، والله لا يُخلِف وعدَه، قال -عزّ وجلّ-: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولً﴾[5]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾[6].
الصبر فرع اليقين
وتشير بعض الآيات أيضاً إلى الصبر وأهمّيّته، وهو في حقيقته فرع من فروع اليقين وحسن الظنّ بالله، ويقع في طريق النصر الذي وعد به الله -سبحانه-: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[7].
متى ينصرنا الله؟
إنّ نصر الله للمؤمنين، والذي يؤدّي إلى نصرهم وفلاحهم في وجه الأعداء، لا يؤتَونَه إلّا إذا قاموا ببعض الأمور الأساسيّة، من قبيل:
1. الجهاد في سبيل الله: قال -سبحانه-: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[8].
2. الثبات: كما في قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[9].
3. الصبر: قال -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[10].
[1] سورة محمّد، الآية 7.
[2] سورة آل عمران، الآية 123.
[3] سورة محمّد، الآية 7.
[4] نهج البلاغة، ص427.
[5] سورة المزمّل، الآية 18.
[6] سورة آل عمران، الآية 9.
[7] سورة الأنفال، الآية 66.
[8] سورة العنكبوت، الآية 69.
[9] سورة الأنفال، الآية 45.
[10] سورة آل عمران، الآية 200.