الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
نبارك لصاحب العصر والزمان، الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه) والإمام الخامنئيّ المفدّى (دام ظلّه)، والأمّة الإسلاميّة جمعاء، ذكرى ولادة السيّدة فاطمة بنت موسى الكاظم (عليه السلام)، المعروفة بـ«السيّدة المعصومة».
السيّدة المعصومة
أيّها الأحبّة،
إنّ في سيرة السيّدة فاطمة المعصومة دروساً عظيمة؛ ذلك أنّها سلكت مع قِصَر عمرها الشريف مسلكَ الأولياء الصالحين، حتّى صارت ملاذاً لكلّ عاشق يرمي الوصول والقرب من الله -سبحانه-، ما جعلها في حياتها عنواناً للعفّة والحكمة والمعرفة، وهي تمثّل المرأة النموذج الذي ينبغي أن يُتّخذ لدى كلّ امرأة، بل كانت وما زالت بعد موتها موئلاً لاستنهاض النفوس؛ فنرى العلماء والعرفاء والمؤمنين يلوذون بقبرها الشريف في قمّ المقدّسة، وهي الّتي قال الإمام الجواد (عليه السلام) في زيارتها: «من زار قبر عمّتي بقمّ، فله الجنّة»[1]، فإلى هذا الحدّ وصلت في جهاد نفسها وطهر مسلكها، لأن تكون على هذه الحال في كلام المعصومين (عليهم السلام).
مكانة الأخت في الإسلام
نجد في هذه المناسبة فرصة للحديث عن مسألة مهمّة، قد يغفل عنها الكثيرون، ألا وهي مكانة الأخت في الإسلام؛ ذلك أنّنا في مناسبة ولادة امرأة، قطعت من المسافات الطويلة، وبذلت قُصارى جهدها لتصل إلى أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) حيث يسكن، إقراراً له منها بأنّه وليّها، وأنّها لم تُطِقِ العيشَ من دونه.
هي الأخت، إذ يغفل الكثيرون عن أنّ لها حقوقاً كباقي الأرحام، وأنّه يجب إكرامها والعطف عليها، والذود عنها، وإسنادها بالحبّ والرحمة والمودّة.
هي الأخت، إذ تكون سندَ أخيها عند ألمه، ومؤنسته عند ضيقه وحزنه، وهذا ما نتلمّسه في حياتنا اليوميّة، ويكاد لا يكون ثمّة أخ إلّا ويجد أخته أوّل الحاضنين له، إلّا ما رحم ربّي، ممّن فرّق حبّ الدنيا بين قلوبهم، أو أبعدتهم المسافات عن بعضهم قسراً.
نجد في القرآن الكريم في قصّة النبيّ موسى (عليه السلام) ما يشير إلى هذه العاطفة، عاطفة الأخت تجاه أخيها، وكيف سعت لتخليص أخيها، يقول -سبحانه-: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[2].
ولأهمّيّة ما قامت به أخت النبيّ موسى (عليه السلام)، فقد ذكّره الله بذلك، إذ قال -تعالى-: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾[3].
وقد ورد في السيرة النبويّة، كيف أنّ النبيّ الاكرم (صلّى الله عليه وآله) قد أبدى احترامه وإكرامه لأختٍ له بالرضاعة، إذ أتته «فلمّا نظر إليها سُرَّ بها، وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليه، ثمّ أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها[...]»[4].
فإذا كان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، قد أبدى هذا الاحترام كلّه لأخته، وهي أخت له بالرضاعة، فكيف يكون الحال بالأخت النسبيّة الّتي تُعدّ من أقرب الأرحام؟!
الأخت من الأرحام
يتصوّر بعضهم جهلاً، أنّ الأخت إذا ما تزوّجت، فإنّ واجباته نحوها تنقطع، وقد لا يزورها طيلة أيّام حياته! بل يبرّر لنفسه ذلك بمبرّرات ما أنزل الله بها من سلطان، ويغفل عن أنّ الأخت رحم قريب تجب صلتها، قال -سبحانه-: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾[5].
للأخت حقّ الميراث
يعمد بعضهم أيضاً إلى حرمان الأخت من حقّها في الميراث، متذرّعاً بحجج واهية، كقولهم إنّها لا تحتاج إلى المال نظراً لكونها امرأةً، وأنّ الرجل أحقّ به منها! أو قولهم إنّ ميراث الأب لا ينبغي أن يخرج إلى بيوت الآخرين -إذا ما كانت متزوّجة-! وهذا في الواقع أكل للمال بالباطل، وهو ما نهى عنه الله -سبحانه-: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل﴾[6]، بعد أن أثبت الله حقّ المرأة في الميراث، سواء أكانت أمّاً أم بنتاً أم أختاً، قال -سبحانه-: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾[7].
فمن يحرم أختَه من الميراث، إنّما يرتكب محرّماً يستحقّ العقاب عليه بين يدي الله -تعالى-.
للأخت حقّ الرعاية
قد يستقيل بعضهم من مسؤوليّة مساندة أخته من ناحية العيلولة، بحجّة أنّه لا وجوب عليه في ذلك، وهذا تقصير كبير؛ ذلك أنّ الإنفاق على الأخت، وإن لم تدخل تحت من يجب الإنفاق عليهم كالوالدين والأولاد والزوجة، إلّا أنّ عيلولتها -كما الأقارب حال فقرهم- من الأعمال ذات الفضل الكبير عند الله -سبحانه-، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنّة، فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: وواحدة»[8].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج99، ص265.
[2] سورة القصص، الآية 13.
[3] سورة طه، الآية 40.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص161.
[5] سورة محمّد، الآية 22.
[6] سورة البقرة، الآية 188.
[7] سورة النساء، الآية 12.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص6.