الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «بئس العبد عبد له طمع يقوده! وبئس العبد عبد له رغبة تذلّه!»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ النفس الإنسانيّة قد تتعرّض للعديد من الأمراض، كما هو حال البدن. ومن أجل ذلك، فإنّ المؤمن الحريص على نفسه، الذي يبتغي حفظها من الأدران والأمراض، يعمد إلى الوقاية منها بكلّ ما أوتي من قوّة وإرادة؛ لذلك نجده يتحرّى عن مفردات الوقاية قبل وقوع المرَض. وإذا ما وقع، فإنّه يسعى في علاجه على فوراً، فلا يتراخى بما يمكن أن يرديه في الهلكات، قال -تعالى- : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهاَ﴾[2].
ومن تلك الأمراض والرذائل رذيلة الطمع التي قد تصيب الإنسان حبّاً بالدنيا، ورغبةً بما في أيدي الناس، حتّى تتحكّم به ما لم يعالجها، فيصبح أسيرها، تقوده حيث شاءت، ولو بالتعدّي على حدود الله تعالى.
آثار الطمع
1. مفتاح كلّ سيّئة
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «وإيّاكم واستشعار الطمع! فإنّه يشوب القلب بشدّة الحرص، ويختم على القلب بطابع حبّ الدنيا، وهو مفتاح كلّ معصية، ورأس كلّ خطيئة، وسبب إحباط كلّ حسنة»[3].
2. الهلاك
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَة!»[4].
3. المذلّة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا ذلَّ كذلّ الطمع»[5].
4. الأسر
عن الإمام عليّ (عليه السلام): «من أراد أن يعيش حرّاً أيّام حياته، فلا يسكن الطمع قلبه»[6].
5. فساد الدين
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «فساد الدّين الطمع»[7].
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد سأله بعض أصحابه: ما الّذي يُثبّت الإيمانَ في العبد؟ قال: «الورع عن محارم الله»، والذي يخرجه؟ قال: «الطمع»[8].
علامات الطامع
إنّ لكلّ رذيلة علامات ودلائل يُعرَف بها صاحبها؛ ذلك أنّها تؤثّر في أفعال الإنسان حتّى تظهر وتتبيّن، ومن ذلك علامات من ابتُلي بالطمع، ومنها:
1ـ الفرح، إذ يظهر عليه ذلك عند حصول الشيء، والفرح مظهر من مظاهر اطمئنان القلب للدنيا والحبّ المفرط لها، وقد نُهي عنه، كما في آيات القرآن الكريم، إذ قال -سبحانه-: ﴿لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِين﴾[9]، وقال -تعالى-: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ﴾[10].
2ـ اللّجاجة في طلب الدنيا، إذ لا يتوانى الطامع عن الحصول عليها، ويبقى لجوجاً في الحصول على مطمحه الدنيويّ ولو كلّفه ذلك مذلّة نفسه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وبؤسى لمن [...] لَمْ يُنَزِّه نَفْسَه ودِينَه عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِه الذُّلَّ والْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا، وهُوَ فِي الآخِرَةِ أَذَلُّ وأَخْزَى»[11].
3ـ التكاثر، وهو الإكثار من المال وغيره من حطام الدنيا، وجمعه والحرص عليه، وعدم إنفاقه أو بذله في وجوه البرّ والخير، وهذا هو الآخر من مذموم الصفات؛ لما فيه من إشغال النفس واللّهو، وإتلاف الوقت والوقوع في المحظور الشرعيّ، قال -تعالى-: ﴿ألهكم التكاثر* حتّى زرتم المقابر﴾[12].
4. البؤس، إذ يعيش الطامع حالة من الإحباط ما إذا كان نظره إلى ما في أيدي الناس، وهو غير قادر على الحصول عليه، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله -عزّ وجلّ- لنبيّه (صلّى الله عليه وآله): ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ﴾[13]، وقال: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْياَ﴾[14]، فإن دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّما كان قوّته الشعير وحلواه التّمر ووقوده السعف إذا وجده»[15].
القناعة والرضا
إنّ أشدّ العلاجات التي تقف حائلاً دون ولوج هذه الرذيلة في نفس الإنسان، ودون استمراريّتها وتجذّرها في النفس، هو أن يرضا الإنسان بما قسمه الله له في الحياة الدّنيا، مهما كان قليلاً ووضيعاً، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا، وجعل الهمّ والحزن في الشكّ والسخط»[16].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص320.
[2] سورة الشمس، الآيتان 9 و10.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج69، ص199.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص401.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص165.
[6] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1741.
[7] الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص357.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص321.
[9] سورة القصص، الآية 76.
[10] سورة الحديد، الآية 23.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص383.
[12] سورة التكاثر، الآيتان 1 و2.
[13] سورة التوبة، الآية 85.
[14] سورة طه، الآية 131.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص138.
[16] المصدر نفسه، ج2، ص57.