الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
أيّها الأحبّة،
فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)
إنّ لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) فضلاً عظيماً لا شكّ فيه ولا ريب، وهذا ما أكّدته روايات عديدة عن أئمّتنا المعصومين (عليهم السلام)، وفي بعضها تأكيدٌ على استحبابها بتعبير الوجوب، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله لأمّ سعيد الأحمسيّة: «یا أُمَّ سَعِيدٍ، تَزُورِينَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ؟»، قُلْتُ: نعم، فقالَ لي: «زُورِيهِ؛ فَإِنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ«[1].
وفي هذا الحديث نقطتان؛ الأولى: إنّ الزيارة لا تقتصر على الرجال، بل تشمل النساء أيضاً، وفي ذلك إشارة إلى أهمّيّتها وضرورتها، ففي الوقت الذي يحثّ فيه الإسلامُ المرأةَ على لزوم بيتها وعدم الاختلاط بالأجنبيّ قدر الإمكان، نجد في هذا الحديث حثّاً لها على زيارة الإمام (عليه السلام).
والثانية: إنّ التعبير بالوجوب يدلّ على تأكيد استحبابها، كما صرّح بذلك العديد من الفقهاء.
ومن الأحاديث الدالّة على فضل الزيارة بشكل عامّ:
عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن زار قبر أبي عبد الله الحسين بشطّ الفرات، كان كمن زار اللهَ فوق عرشه»[2].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «زيارة الحسين بن عليّ واجبة على كلّ من يُقِرّ للحسين بالإمامة من الله عزّ وجلّ»[3].
وسأل رجلٌ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام): ما تقول في رجلٍ ترك زيارةَ الحسين، وهو يقدر على ذلك؟ قال: «إنّه قد عقَّ رسولَ الله وعقَّنا، واستخفَّ بأمرٍ هو له»[4].
زيارة الأربعين
أمّا خصوصيّة زيارة الأربعين، فقد ورد عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) قوله: «علاماتُ المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختّم باليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»[5].
وعن صفوان بن مهران، قال: قال لي مولاي الصادق (صلوات الله عليه): «في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار، وتقول: السلام على وليّ الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه، السلام على صفيّ الله وابن صفيّه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات...»[6].
وقد أجمع الفقهاء على استحبابها وأهمّيّتها، وحثّوا عليها في كلماتهم وإرشاداتهم ومواعظهم.
الزيارة مشياً على الأقدام
إنّ من مستحبّات زيارة الإمام سيّد الشهداء (عليه السلام) أن يتّجه الزائر إلى ضريحه الشريف مشياً على الأقدام، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، إن كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ومحا عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملك، فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُقرِئك السلام، ويقول لك: استأنف العمل، فقد غُفِر لك ما مضى»[7].
ويمكن الإشارة أيضاً إلى الأحاديث التي تؤكّد فضلَ العمل الذي فيه مشقّة، فهي بدلالتها العامّة تدلّ على أنّ المتاعب والمشقّات في سبيل زيارة الإمام (عليه السلام) تجعلها أكثر فضلاً، ومن ذلك ما ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أفضل الأعمال أحمزها»[8].
زيارة الأربعين شعيرة عظيمة
لا بدّ قبل الحديث عن أبعاد زيارة الأربعين بخصوصها من أن نبيّن معنى الشعيرة وفلسفتها؛ فالشعيرة هي ذاك العمل الجماعيّ الذي يجتمع فيه المؤمنون، فلا تكون الشعيرة شعيرةً إلّا بالجمع لا بالفرد، وقد تُعرّف الشعيرة بالمنسك، كما في قوله -تعالى-: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكً﴾[9].
وإنّ من قِوام الشعيرة أن تكون بهدف التقوى والاتّصال بالغيب؛ لهذا نجد في قوله -تعالى- ما يشير إلى هدفيّة الشعائر والاهتمام بها: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[10].
وفلسفة الشعيرة أنّها تعمل على تحويل العمل المادّيّ الذي يقوم به الإنسان قربةً لله -تعالى- إلى أحاسيس؛ وبمعنىً آخر: تحويل العمل من صورته العقليّة إلى صورته الإحساسيّة، ومثال ذلك: رمي الجمرات، والذي يُعَدّ من شعائر الحجّ، فإنّ الرمي هذا يتحوّل من الصورة المادّيّة التي عليه إلى صورة إحساسيّة، تُشعِر الرامي بعدواته للشيطان ونبذه ورفضه إيّاه.
وهكذا نفهم زيارةَ الإمام الحسين (عليه السلام) وزيارةَ الأربعين، إذ يعمد المؤمن الموالي إلى تحويل ولايته للإمام الحسين (عليه السلام) بفكره وعقله إلى أحاسيس ومشاعر؛ يمشي في زيارته، يبكي، يلطم... ذلك كلّه يُشعِر المرءَ بالإمام أكثر فأكثر، وبكلمة مختصرة: إنّ هذه الشعائر تحوّل الانتماء إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ومبادئه من شكله العقليّ البحت، إلى شكله الروحيّ والمشاعريّ.
فكيف إذا كانت هذه الزيارة هي زيارة الأربعين، التي يجتمع فيها الملايين من الموالين من جميع أنحاء العالم، وهم يردِّدون فيها نداءات الولاء للحقّ وأهله، ونداءات البراءة من الباطل وأهله، فإنّ لذلك وقعاً لا يمكن وصفه بكلمات، إنّها شعائر تلج الأعماق وتهزّ المشاعر!
[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج14، ص437.
[2] المصدر نفسه، ج14، ص411.
[3] المصدر نفسه، ج14، ص445
[4] المصدر نفسه، ج14، ص429
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج82، ص76.
[6] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص788.
[7] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص253.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الانوار، ج67، ص191.
[9] سورة الحجّ، الآية 34.
[10] سورة الحجّ، الآية 32.