الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّما المرءُ في الدنيا غرضٌ تنتقل فيه المنايا»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ هذه الدنيا إنّما هي دار امتحان وبلاء، تعترض ببلاءاتها حياة الإنسان، منذ أن تتفتّح عيناه على هذه البسيطة، ليبدأ مسيرة المواجهة لتلك البلاءات والامتحانات، التي تكدّر صفو حياته وباطنه، وإنّ هذا في الواقع دليل واضح على أنّ الدنيا لا تستحقّ أن تتعلّق بها قلوبنا ونطمئنّ إليها اطمئناناً كاملاً يثنينا عن التفكّر بما بعدها من حياة أبديّة واقعيّة لا غشّ فيها ولا خداع، يكون النعيم فيها ثابتاً لا يزول، كما هو حال النعم الدنيويّة كلّها التي ننعم بها في هذه الحياة.
وفي طريق بلاءاته، تتعرّض نفس الإنسان إلى الكدورات من همّ وحزن وأرق وقلق، فيسعى جاهداً لدرء تلك الأحزان بكلّ ما أوتي من قوّة وطاقة.
وفي الحقيقة، إنّ الكثير من الأحزان التي تصيب قلوبنا ونفوسنا إنّما هي من صنع أيدينا، إذ نقترف ما يودي بنا إلى الحزن والهمّ والغمّ، سواءٌ أكان من سوء إدارةٍ لأمور معاشنا، أم من اقترافنا للذنوب والمعاصي، ونحن غافلون عن آثارها الوخيمة التي تلحقنا بها، فإنّ الذنوب سبب رئيس من أسباب تجذّر الهموم والأحزان، وضيق الصدر والباطن.
علاج الهمّ والحزن
ولأنّ رحمة الله وسعت كلّ شيء، فقد أرشدنا -سبحانه- من خلال آياته الكريمة، وما صدر عن نبيّه الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) إلى ما نخلّص بها أنفسنا ممّا تعيشه من ضيق، وكيف السبيل إلى مواجهة حوادث الزمان.
ومن ذلك:
أوّلاً: ما يرتبط بالقلب
حسن الظنّ واليقين بالله
إنّ أعظم ما يتسلّح به الإنسان في الوقاية من الهموم وعلاجها، هو ما يرتبط بإيمانه وحسن ظنّه بالله، ذلك أنّه -سبحانه- مصدر القوّة والطاقة، التي يستمدّ منها الإنسان قوّته وثباته في هذه الحياة، وكلّما انعقد الإيمان في قلب الإنسان، أصبح أشدّ قوّة وأثبت في مواجهة البلاءات والأحزان، فهو المرجع والمآل والملجأ الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[2].
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، وحسن اليقين...»[3].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام» :(وإن كان كلّ شيء بقضاء وقدر، فالحزن لماذا؟!»[4].
ثانياً: ما يرتبط ببعض الأعمال والأذكار
1. الاستغفار: وهو من أجلّ الطرق وأنفعها في تقويض الهموم والأحزان، فقد رُوي عن الرسول الأكرم (صلّی الله عليه وآله» :(مَن أكثر الاستغفار جعل الله له مِن كلّ همّ فرجاً، ومِن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب»[5].
2. الحوقلة :عن الإمام الصادق (عليه السلام» :(يا سفيان، إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره؛ فأكثِر من قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله؛ فإنّها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنّة[6]«.
3. التهليل: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وعجبت لمَن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله -تعالى-: ﴿لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، فإنّي سمعت الله -عزّ وجلّ- يقول بعقبها: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾[7].
وعنه أيضاً (عليه السلام): «دعاء المكروب والملهوف، ومَن قد أعيته الحيلة وأصابته بليّة: ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، يقولها ليلة الجمعة إذا فرغ من الصلاة المكتوبة من العشاء الآخرة»[8].
ثالثاً: ما يرتبط ببعض السلوكيّات والآداب
1. النظافة :إنّ للنظافة دوراً في إضفاء السكون وانشراح القلب، ما يسهم في نبذ الهموم والأحزان، كما عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله :(«غسل الثياب يذهب بالهمّ والحزن»[9].
2. الطِيْب: عن النبيّ الأكرم (صلّی الله عليه وآله): «الريح الطيّبة تشدّ القلب»[10].
3. غسل الرأس: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من وجد همّاً فلا يدري ما هو؛ فليغسل رأسه[11]«.
4. الطعام: إنّ لبعض الأطعمة تأثيراً في مزاج الإنسان، وقد أشارت إلى ذلك بعض الأحاديث، منها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام)» :لمّا حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح (عليه السلام)، جزع جزعاً شديداً واغتمّ لذلك، فأوحى الله إليه أن كُلِ العنبَ الأسودَ ليذهبَ غمّك»[12].
[1] نهج البلاغة، ج1، ص191.
[2] سورة البقرة، الآية 156.
[3] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول، ص83.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص56.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج74، ص172.
[6] المصدر نفسه، ج 75، ص201.
[7] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص55.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج90، ص191.
[9] المصدر نفسه، ج10، ص91.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص510.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج73، ص323.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص350.