محاور الموضوع ألرئيسة:
- مفهوم الأسرة وكيفية تكوينها.
- دلالات مواقف الأسرة في حادثة المباهلة.
- نموذج الأسرة في حادثة الإطعام.
الهدف:
التعرف على بعض دلالات حادثتي المباهلة والإطعام.
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى: ﴿مَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾1.
﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَاَسيراً * إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلاَ شُكورا﴾.
مقدمة: يستفاد من الآيات الكريمة المذكورة مجموعة من المفاهيم والقيم والعبر، نكتفي بالإشارة إلى بعض الدلالات منها.
1- دلالات مواقف الأسرة في حادثة المباهلة:
المباهلة: من البهل، والبهل في اللغة بمعنى تخلية الشيء وتركه غير مراعى (المفردات في غريب القرآن: "بهل (وورد في القاموس وتاج العروس وغيرهما من الكتب، اللغوية أن المباهلة في معنى البهل أي اللعن، إذاً كلمة اللعن في اللغة بمعنى الطرد بسخط، والحرمان من الرحمة.
- أهمية المباهلة ودلالاتها: إن أول أمر يثير الاهتمام في هذه الآية هو أن المباهلة من الوسائل المتاحة لإظهار الحق وإبطال الباطل، و من المُسَلَّم به أن دخول مثل هذا الميدان خطر للغاية وان أي إنسان عاقل لا يدخل هذا الميدان ما لم يطمئن إلى النتيجة . ولهذا استمهل نصارى نجران النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليفكروا بالأمر، فعندما رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء بنفر قليل من خاصته وحماته وأبنائه الصغار وابنته فاطمة عليها السلام اضطربوا وذعروا وأبوا المباهلة.
ومن جهة أخرى فإن الآية سند واضح على المقام الشامخ لآل بيت النبي عليهم السلام "علي وفاطمة والحسن والحسين" حيث أن الآية فيها ثلاث كلمات "أبناءنا، نساءنا وأنفسنا" ولقد أجمع المفسرون أن المراد من أبنائنا الإمام الحسن والحسين عليهما السلام والمراد من نسائنا هي فاطمة ومن كلمة أنفسنا هو الإمام علي عليه السلام وليس هو المراد شخص النبي عليه السلام كما توهم البعض، فإن كان المراد هو النبي فإن دعوة الإنسان نفسه لا معنى لها فلا يبقى سبيل إلا أن نقول إِن المراد هو علي عليه السلام.
- قصة المباهلة: لقد كتب الرسول الأكرم إلى أهل نجران، وأكثرهم نصارى، يدعوهم إلى الإسلام
اجتمع زعماء نصارى نجران وحكماؤهم يتدارسون أمر كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام. ولم يتوصلوا إلى رأي قاطع إذ كانت في أيديهم تعاليم تؤكد وجود نبي بعد عيسى عليه السلام، وما ظهر من محمد فهو يشير إلى نبوّته ... فخلصوا إلى أن يباهلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك بأمر من الله عزّ وجلّ واتفقوا على اليوم اللاحق موعداً...وخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحمل الحسين وبيده الحسن وخلفه ابنته فاطمة وابن عمّه علي بن أبي طالب امتثالاً لأمر الله تعالى الذي نصّ عليه الذكر الحكيم قائلاً: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾2 ولم يصحب سواهم أحداً من المسلمين ليثبت للجميع صدق نبوته ورسالته وهنا قال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني... وحين أبْوا أن يباهلوا النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين قال لهم الرسول: أمّا إذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال : إني أناجزكم القتال. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردّنا عن ديننا ... فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل نجران وأهله حتى الطّير على رؤوس الشّجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا. فرجعوا إلى بلادهم دون أن يسلموا3.
وروي أن السيد والعاقب من زعمائهم لم يلبثا إلاّ يسيراً حتى عادا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعلنا إسلامهما4.
2- نموذج الأسرة في حادثة الإطعام: تتحدث الآية الثانية عن الكرماء الّذين قدموا طعامهم إلى المسكين واليتيم والأسير في حين أنّهم محتاجون إليه بشدّة ومن دون طمع في أجر وثناء من الطرف المقابل قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَاَسيراً * إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلاَ شُكوراً﴾، وهناك روايات كثيرة من طرق الشيعة وأهل السنّة تتحدّث عن أنّ الآيات 8 ـ 9 من سورة الدهر نزلت في أهل البيت عليهم السلام، كما ذكر العلاّمة الأميني في كتابه "الغدير" عن أربع وثلاثين نفر من علماء السنّة المعروفين وأنّهم ذكروا هذا الحديث الشريف في كتبهم (مع ذكر اسم الكتاب ورقم الصفحة). وعلى هذا فإنّ الحديث المذكور مشهور بين أهل السنّة، وأما علماء الشيعة فهو محل اتفاق عندهم وأنّ جميع سورة الدهر أو قسم مهم منها نزلت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم "علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. ولدى التأمل والتدقيق في آيات سورة الدهر يتضح جيداً أنّ الله تعالى قد ذكر هؤلاء الكرماء من موقع التمجيد والثناء والمدح ووعدهم جزيل الثواب في الآخرة ووصفهم بأوصاف سامية، فتارةً وصفهم بأنّهم "أبرار"، وفي مكان آخر ذكرهم بعنوان "عباد الله".
ويستفاد من هذه الفعل الصادر عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من الدلالات والعبر منها:
- القيمة الذاتية لفعل الإطعام: الصادر عنهم عليهم السلام للمسكين واليتيم والأسير.
- تربية الأسرة على الإيثار: الإيثار أسمى درجات الكرم، وأرفع مفاهيمه، ولا يتحلى بهذه الصفة المثالية النادرة، إلا الذين جلوا بالأريحية، وبلغوا قمة السخاء، فجادوا بالعطاء، وهم بأمسّ الحاجة اليه، وقد أشاد القرآن بفضلهم قائلاً: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ قال الصادق عليه السلام: "كان عليّ أشبه الناس برسول الله، كان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم". وفي علي وأهل بيته الطاهرين، نزلت الآية الكريمة: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ...﴾.
وعن ابن عباس أنّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا، وما معهم شيء، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
فلما أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق بطنها بظهرها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمد هنّاك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة" .
- الجود والسخاء: "الجود والسخاء" في مقابل البخل، وتستعملان غالباً بمعنى واحد، ولكن ورد في تعريف الجود انه "البذل بدون طلب وفي نفسه يرى ما بذله قليل" وقيل أيضاً في تعريفه "الجود هو الفرح من طلب الناس والسرور من العطاء لهم" في حين أنّ السخاء له معنىً واسع ويشمل كلّ أنحاء البذل والعطاء. أما في القرآن الكريم رغم أنّ كلمة "الجود" أو "السخاء" لم تستخدم في سياق الآيات الكريمة، ولكن التعبيرات الأخرى للآيات تنطبق على هذين المفهومين حيث يتبين جيداً أنّ القرآن الكريم يعطي أهمية بالغة لهما، وكنموذج على ذلك نورد هذه الآيات الشريفة: قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَاَسيراً * إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُريدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلاَ شُكوراً﴾5.
1- آل عمران61.
2- آل عمران : 3.
3- التفسير الكبير (للرازي): 8 / 85.
4- الطبقات الكبرى: 1 / 357.
5- الدهر: 8 و 9