بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
جاء في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيم﴾[1].
فضائل الحجاب
للحجاب أثرٌ كبير في تحديد هويّة المجتمع وشكله، ودورٌ أساس في صراع الحقّ والباطل؛ إذ يشكّل حصناً منيعاً في مواجهة الانحراف الناجم عن سطوة الشهوات والغرائز، وله ارتباط وثيق بالسلوك العامّ لنساء المجتمع ورجاله.
ودائماً ما تعرّض الحجاب إلى حملاتٍ تشويهيّة ممنهجة، ومحاولات حثيثة لإسقاطه، من خلال تضعيفه بالجدل وطرح الشبهات تارةً، أو من خلال اعتماد قوانين وآليّات تمنعه وتحدّ من انتشاره تارةً أخرى، وهذا إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على مدى مؤثّريّته ودوره الحاسم في الصراع بين معسكرَي الحقّ والباطل.
والحجاب لم يُفرَض لعزل المرأة وحبسها عن المجتمع، ولتقييد حرّيّتها، كما يصوّر الغرب، إنّما هو حؤولٌ بين الرجل والمرأة من الاختلاط غير المقيَّد وغير المشروط؛ هذا الاختلاط الذي يهدم المجتمع مسلكيّاً، ويضرّ بالرجل والمرأة؛ وما الحجاب إلّا مانع من الانزلاقات الخطيرة والانحرافات الجسيمة على طريق الكمال والرقيّ؛ فحينما يُنتزَع الحجاب، ويُدفَع بالمرأة نحو التحلّل والتعرّي، فسوف يتعرّض أمنها بالدرجة الأولى، وكذلك أمن الرجال والشباب للخطر؛ فالحجاب في الرؤية الإسلاميّة هو عونٌ للمرأة على القيام بهمّاتها والنهوض بمسؤوليّاتها في بناء المجتمع إلى جانب الرجل.
مضافاً إلى ما تقدّم، ثمّة فضائل عديدة للحجاب، نذكر منها أنّه:
1. طاعة لله ولرسوله، فقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب، فقال: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَ﴾[2]، ويقول تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينً﴾[3].
2. طهارة لقلوب المؤمنين؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾[4]؛ فإّن النظر من أبرز ما يُوقع الشهوةَ في القلوب، وإنّها عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذٍ أظهر؛ لأنّ الحجاب يقطع أطماع مَن في قلوبهم مرض، يقول تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[5].
3. تقوى، إذ يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾[6].
4. غيرة، إذ إنّه يتناسب مع ما جُبِل عليه الرجل من غيرةٍ يصون بها عرضه، ويقطع امتداد النظرات الخائنة إليه، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا تستحون؟! ألا تغارون؟! يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال، تنظر إليهم وينظرون إليها!»[7].
عواقب التبرّج
أيّها الإخوة، لقد لقيت المرأة المسلمة في التشريع الإسلاميّ عناية فائقة، كفيلة بأن تصون عفّتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان، وإنّ الشروط الّتي فُرِضت عليها في ملبسها وزينتها، لم تكن إلّا لدرء الفساد الذي ينتج عن التبرّج، وما يترتّب عليه من عواقب وخيمة، منها:
- فساد أخلاق الرجال، خاصّة الشباب، ودفعهم إلى الفواحش المحرّمة.
- المتاجرة بالمرأة، كوسيلة للدعاية أو الترفيه في مجالات التجارة وغيرها.
- الإساءة إلى المرأة نفسها، باعتبار أنّ التبرّج قد يكون مؤشِّراً على سوء نيّتها، ما قد يعرّضها لأذيّة أهل السوء والباطل.
- تسهيل الوقوع في المعصية، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرةٍ أورثت حسرةً طويلة!»[8].
أهداف الحجاب الشرعيّ شروط
إنّ الحكمة من تشريع الحجاب في الإسلام منع الخلاعة بما لها من صور وأشكال، وبما فيها من مفاسد وأضرار، وغلق منافذ الانحلال الأخلاقيّ، ووقاية المجتمع البشريّ من الانحدار إلى مهاوي الشرّ وحضيض الفساد المدمّر للحياة؛ فإنّ التبرّج والاختلاط هو العامل الأكبر في حصول التمرّد الأخلاقيّ، والمزلق الخطر الذي طالما قاد الأفراد والجماعات إلى تدمير الأخلاق والقيم، يقول تعالى: ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾[9].
ولكي يتحقّق الهدف من هذا الحجاب، لا بدّ من الالتزام بشروطه، والتقيّد بضوابطه، ومنها:
1. أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة، ما عدا الوجه والكفّين.
2. أن لا يكون اللباس زينةً في نفسه، كأن يكون ذا ألوان جذّابة تلفت الأنظار، لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَ﴾[10]، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز إبداؤه، ولا يُسمّى حجاباً.
3. أن لا يحاكي ما تحته من الجسد؛ فإنّ الغرض من الحجاب الستر، فإن لم يكن ساتراً لم يكن حجاباً.
4. أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيّق، فلا يجسّم مفاتن البدن، ولا يُظهِر أماكن الفتنة فيه.
5. أن لا يكون الثوب فيه تشبّه بالرجال، أو بما يلبسونه، ففي الحديث «لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»[11]، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيضاً أنّه لعن المخنّثين من الرجال، وقال: «أخرجوهم من بيوتكم»، ولعن المذكّرات من النساء والمؤنّثين من الرجال[12].
6. أن لا يكون ثوب شهرة؛ لقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلّةٍ يوم القيامة»[13]، وثوب الشهرة هو الثوب الذي إذا لبسته المرأة أُشير إليها بالبَنان.
في الختام، إنّ الإسلام بفرضه الحجاب وتحريمه السفور والتبرّج، إنّما يُرسي قواعد الأخلاق والمُثل الّتي تحمي الإنسان والمجتمع، وتبعدهما عن وحشيّة التعرِّي وجاهليّة التبرّج، وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ التبرّج يمثّل رجعيّة مغرقة في القدم والتخلّف، قال تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾[14].
[1] سورة الأحزاب، الآية 59.
[2] سورة النور، الآية 31.
[3] سورة الأحزاب، الآية 36.
[4] سورة الأحزاب، الآية 53.
[5] سورة الأحزاب، الآية 32.
[6] سورة الأعراف، الآية 26.
[7] الذهبيّ، الكبائر، ص260.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص559.
[9] سورة النور، الآية 30
[10] سورة النور، الآية 31.
[11] السجستانيّ، سنن أبي داوود، ج2، ص269.
[12] القاضي النعمان، دعائم الإسلام، ج2، ص455.
[13] ابن أبي جمهور الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص156.
[14] سورة الأحزاب، الآية 33.