الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1545 12 جمادى الثانية 1444 هـ - الموافق 05 كانون الثاني 2023م

أمّ البنين، إيثارٌ وولاء

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى رحيل السيّدة أمّ البنين (عليها السلام)، في الثالث عشر من جمادى الآخرة، سنة 64 للهجرة.

إنّها فاطمة بنت حزام، أهلها من سادات العرب وأشرافهم، زوجة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأمّ أبي الفضل العبّاس وإخوته عبد الله وعثمان وجعفر، الذين استشهدوا جميعاً في كربلاء مع أخيهم الإمام الحسين (عليه السلام)، «كانت أمّ البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحقّ أهل البيت (عليهم‌ السلام)، مخلصةً في ولائهم، مُمَحَّضةً في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحلّ الرفيع».

إيثار السيّدة أمّ البنين
يقول تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[1].

إنّ الإيثار مرتبة راقية من مراتب البذل، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء، وهو من محاسن الأخلاق الإسلاميّة، ومن أبرز الفضائل الإنسانيّة، وفيه يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «الإيثار أعلى المكارم»[2] و«الإيثار أشرف الإحسان»[3]. وإنّ أفضل أنواع الإيثار إيثار رضا الله تعالى وحبّه ورجائه على الآخرين، يقول تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[4]. وقد برز إيثار أمّ البنين (عليها السلام) في هذا الجانب جليّاً واضحاً، إذ أظهرت حبّها لوليّ الله الإمام الحسين (عليه السلام)، وقدّمت سؤالها واهتمامها ومودّتها له على أولادها الأربعة الذين كانوا معه في كربلاء، إذ يُروى في هذه الحادثة «أنّ بشراً كلّما نعى إليها أحد أولادها الأربعة، قالت ما معناه: أخبرني عن الحسين! فأخذ ينعى لها أولادها، واحداً واحداً، حتّى نعى إليها العبّاس (عليه السلام)، قالت: يا هذا، قطّعت نياط قلبي، أولادي ومن تحت الخضراء، كلّهم فداءٌ لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فها هي كما ترى قد هان عليها قتل بنيها الأربعة إن سلم الحسين (عليه السلام)، ويكشف هذا عن أنّ لها مرتبة في الديانة رفيعة»[5].

وإنّ الإنسان لا يصل إلى أوج الإيمان إلّا عندما يضحّي بأقوى العلائق والدوافع فيه، وهو عشقه لذاته في طريق عشقه لذات الله وخلفائه، وهذا ما أشار إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قوله: «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحبَّ إليه من أهله، وعترتي أحبَّ إليه من عترته، وذاتي أحبَّ إليه من ذاته»[6].

وهذا الإيثار جسّده أيضاً أبناؤها في كربلاء مع أخيهم الإمام الحسين (عليه السلام)، عندما رأى العبّاس بن عليّ (عليهما السلام) كثرة القتلى في أهله، قال لإخوته من أمّه: «يا بني أمّي، تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسول، فإنّه لا ولد لكم»[7].

أرقى درجات الإيثار
إنّ هذا الإيثار وهذه التضحية هي أرقى ما يمكن أن يقدّمه الإنسان بين يدي الله تعالى، إذ يجود المرء بنفسه بين يدي وليّ الله وإمام عصره وزمانه، وقد وصفه تعالى بالفوز العظيم، إذ يقول: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[8].

ولا شكّ في أنّ الأمّ التي تقدّم أولادها في هذا النهج وهذا السبيل، تشاطرهم هذا الثواب، وتشاركهم هذا الفوز، فهي تقدّم نفساً أعزّ عليها من نفسها، نفساً أطعمتها من ثمرة قلبها، ووقتها بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها، تقدّمها بين يدي الله وفي سبيله راضيةً محتسبةً، وهذا ما يميّز تضحية الأم بأغلى ما تملك -أولادها- عن باقي التضحيات، ويجعلها في الرتبة الأعلى والمقام الأسمى من بين التضحيات بالأنفس، ويعطيها المقام الاجتماعيّ الرفيع في الدنيا، ويمنحها شرف وسام أمّ الشهيد عند الله تعالى.

دلالات هذه التضحية
وأمّ البنين كانت مصداقاً لهذا النموذج، وكذلك أمّهات الشهداء في هذا العصر وفي كلّ عصر. وهذا الأمر له دلالاته وإشاراته العظيمة، منها:

1. الوعي والمسؤوليّة، فالأمّ الّتي تملك الوعي تجاه قضايا الأمّة، تتحمّل المسؤوليّة، وتكون شريكةً أساسيّةً في مواجهة الظالمين والطغاة، والدفاع عن الدين والأرض والعرض والكرامات؛ ولهذا تسترخص أغلى ما عندها، فتقدّم أبناءها شهداء في هذا السبيل.

2. الوفاء والإخلاص، إذ إنّ الأمّ الّتي تملك إيماناً قويّاً وولاءً لرسول الله وآله الأطهار (عليهم السلام)، ترى أنّ أقلّ واجبٍ تقوم به مواساتها لهم في مصائبهم وابتلاءاتهم، في سبيل الإصلاح في أمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

3. الثبات والشجاعة، فإنّ هذا النوع من التضحية ليس بسيطاً، إنّما يتطلّب شجاعةً راسخة، وثباتاً على المبادئ، وإلّا لما أمكن الاستمرار في هذه المسيرة، وأكبر شاهدٍ على التزلزل والتذبذب والجبن، ما حصل في الكوفة عندما دخلها ابن زياد، حيث كانت تأتي الأمّ إلى ولدها، والزوجة إلى زوجها، وتقول: ما لنا ولهؤلاء القوم!

دورها بعد كربلاء
ختاماً، من المعروف عن هذه السيّدة الجليلة، بعد أن فقدت أبناءها الأربعة، أنّها كانت «تخرج إلى البقيع، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي»[9]، ولا شكّ في أنّ إقامة المآتم ومجالس العزاء والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) كان لها تأثيرٌ بالغ في القيام ضدّ بني أميّة وتأليب الناس عليهم. وقد بقيت على هذه الحال، تقيم المجالس وترثي أبناءها حتى رحيلها عن هذه الدنيا.


[1] سورة الحشرة، الآية 9.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص19.
[3] المصدر نفسه، ص33.
[4] سورة البقرة، الآية 165.
[5] الماماقانيّ، تنقيح المقال، ج3، ص70.
[6] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص414.
[7] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص109.
[8] سورة التوبة، الآية 111.
[9] أبو الفرج الأصفهانيّ، مقاتل الطالبيّين، ص56.

05-01-2023 | 14-35 د | 774 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net