الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1548 04 رجب 1444 هـ - الموافق 26 كانون الثاني 2023م

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

جاء في «مناجاة المحبّين» للإمام زين العابدين (عليه السلام): «إِلهِي، مَنْ ذا الَّذِي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً... أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِواكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيّاكَ قائِداً إِلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقِي إِلَيْكَ ذائِداً عَنْ عِصْيانِكَ»[1].

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإنسان بفطرته يُحبّ المُحسِنَ إليه، ويسعى لإرضائه؛ اعترافاً منه بجميله وفضله، واستزادةً من معروفه وخيره. ومن ذلك حبّ الولد لأبويه، واندفاعه لطاعتهما؛ لأنّه يرى فضلهما عليه، ويقدّر جهودهما وسهرهما على راحته وحمايته من كلّ سوء. وكذا حبّ التلميذ لمعلّمه الّذي يبذل جهوداً من أجل تعلّمه ونجاحه وبناء مستقبله. فإذا كان هذا شأن الإنسان مع والديه ومعلّمه ومَن يقدّم له خدمات وتضحيات، فما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الّذي وهبه نعمة الحياة والعقل والحواسّ، ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[2].

وما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الّذي هيَّأ له النعم الّتي لا سبيل إلى حصرها، ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[3].

وما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الّذي سخَّر له خيرات الأرض وبركات السماء، ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[4].

وهكذا، فإذا أردنا أن نعدّد نِعَم الله تعالى، فإنّنا لا نستطيع حصرها والإحاطة بها، كما أشارت الآية: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[5].

أمام هذا الحشد الهائل من الإحسان والفضل، ألا يجدر بنا أن نحبّ الله حبّاً لا يعادله حبّ، وأن نخلص له إخلاصاً لا يشابهه إخلاص، وأن نشكره شكراً ليس له حدود، وأن نحمده حمداً أين منه حمد الآباء والمعلّمين.

وعلى هذا الأساس، يربط الإمام الصادق (عليه السلام) الإيمان بهذا الحبّ الخالص، فيقول: «لا يَمحَض رجلٌ الإيمانَ بالله، حتّى يكون اللهُ أحبَّ إليه من نفسه وأبيه وأمّه وولده وأهله وماله، ومن الناس كلِّهم»[6].

مفهوم حبّ الله
إنّ مفهوم الحبّ يعبّر عن حالة تعلّقٍ خاصّ، وانجذابٍ مخصوصٍ بين المرء وكماله، والإنسان يعشق الأشياء الّتي يرى فيها سعادتَه، وإذا سطع نور الحبّ في قلب الإنسان أخرج من قلبه غيرَه؛ ولهذا نقرأ في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللهمّ، إنّي أسألك أن تملأ قلبي حبّاً لك، وخشيةً منك، وتصديقاً بكتابك، وإيماناً بك، وفرقاً منك، وشوقاً إليك»[7].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في كلامٍ لأحد أصحابه: «يا زياد، ويحك! وهل الدين إلّا الحبّ، ألا ترى إلى قول الله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، أَوَلا ترى قول الله لمحمّد (صلّى الله عليه وآله): ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾، وقال: ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾، الدين هو الحبّ، والحبّ هو الدين»[8].

الّذين يحبّهم الله
ولكن مَن الّذين يحبّهم الله تعالى؟ ما صفاتهم؟ وما أعمالهم؟


لا شكّ في أنّ الحبّ الصادق لله تعالى يكون في امتثال أوامره ونواهيه، وتقديم رضاه على كلّ غالٍ وعزيز؛ وإذا أردنا أن نحقِّق ذلك بدقّة، علينا أن نعرف الّذين يحبّهم الله تعالى وما يحبّه؛ لكي نجتهد في السعي إلى التمثّل بصفاتهم وأخلاقهم، وقد وردت آيات عديدة تتكلّم على صفات الّذين يحبّهم الله تعالى، منها:

﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[9]، ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾[10]، ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[11]، ﴿فإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾[12]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[13]، ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[14]، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾[15]...

كما وردت أحاديث شريفة تبيّن صفات الّذين يحبّهم الله تعالى، منها:

1. نفع المؤمنين ودفع المكروه عنهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الخلق عيال الله، فأحبّ الخلق إلى الله مَن نفع عيالَ الله، وأدخل على أهل بيتٍ سروراً»[16]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ألا وإنّ أحبّ المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين»[17].

2. الصدق والمحافظة على الصلاة والفرائض وأداء الأمانة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أحبُّ العباد إلى الله عزّ وجلّ رجلٌ صدوقٌ في حديثه، محافظٌ على صلاته وما افترض الله عليه، مع أداء الأمانة»[18].

3. الحلم، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ يُحبّ الحَيِيَّ الحليم»[19].

4. كثرة ذكر الموت، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن أكثر ذكر الموت، أحبّه الله»[20].

الّذين لا يحبّهم الله
وفي الوقت ذاته، ثمّة آيات تحدّد صفات من لا يحبّهم الله تعالى، منها:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[21]، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾[22]، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[23]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾[24]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيماً﴾[25]، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[26]، ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[27]، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾[28]، ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾[29]...

توصية
في الختام، إنّ هذه الأيّامَ والليالي عظيمةٌ عند الله تعالى، والعبادة فيها تفوق العبادةَ في غيرها من الأيّام والليالي، ثواباً وأثراً؛ لذا ينبغي لنا أن نُحسِن استغلالها والاستفادة من هذه الفرصة، بأداء الفرائض والمواظبة على النوافل؛ علّنا ننال حبّه ورضاه وما يترتّب على ذلك من آثار، فقد جاء في الحديث القدسيّ: «وما يتقرّب عبدي إليّ بشيء أحبّ ممّا افترضتُ عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنوافل حتّى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الّذي يسمع به، وبصرَه الّذي يبصر به، ولسانَه الّذي ينطق به، ويدَه الّتي يبطش بها، إن دعاني أجبتُه، وإن سألني أعطيتُه»[30].

كما يرشدنا الإمام الباقر (عليه السلام) إلى طريقة معرفة ما إذا كنّا من أحباب الله تعالى، فيقول: «إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبك، فإن كان يُحبّ أهلَ طاعة الله، ويُبغض أهلَ معصيته، ففيك خيرٌ، والله يُحبُّك، وإذا كان يُبغض أهلَ طاعة الله، ويُحبّ أهلَ معصيته، فليس فيك خيرٌ، والله يُبغضُك، والمرء مع من أحبّ»[31].


[1]  الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص218.
[2]  سورة النحل، الآية 78.
[3]  سورة النحل، الآيتان 10 و11.
[4]  سور النحل، الآية 14.
[5]  سورة النحل، الآية 18.
[6]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج67، ص24.
[7]  السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص173.
[8]  البرقيّ، المحاسن، ج1، ص263.
[9]  سورة البقرة، الآية 195.
[10]  سورة آل عمران، الآية 146.
[11]  سورة آل عمران، الآية 159.
[12]  سورة آل عمران، الآية 76.
[13]  سورة البقرة، الآية 222.
[14]  سورة المائدة، الآية 42.
[15]  سورة الصفّ، الآية 4.
[16]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص164.
[17]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص261.
[18]  الشيخ المفيد، الاختصاص، ص242.
[19]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص112.
[20]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص122.
[21]  سورة البقرة، الآية 190.
[22]  سورة آل عمران، الآية 32.
[23]  سورة آل عمران، الآية 57.
[24]  سورة النساء، الآية 36.
[25]  سورة النساء، الآية 107.
[26]  سورة المائدة، الآية 64.
[27]  سورة الأنعام، الآية 141.
[28]  سورة الأنفال، الآية 58.
[29]  سورة النحل، الآية 23.
[30]  المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، ج1، ص88.
[31]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص127.

26-01-2023 | 18-07 د | 876 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net