بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، وإلى المجاهدين جميعاً، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران في الحادي عشر من شهر شباط، وأيضاً بذكرى نيل القادة: الشيخ راغب حرب والسيّد عبّاس الموسويّ والحاجّ عماد مغنيّة، وسامَ الشهادة، على هذا الخطّ الحسينيّ المبارك.
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[1].
سنن النصر
بيّن الله تعالى في كتابه الكريم الأسس التي يُصنع من خلالها النصر، والسنن التي تُفضي إليه، والعوامل التي تُمهِّد لحصوله؛ وذلك كي يسير المسلمون وفق هديها، ويتعاملوا معها على بصيرة، فإن تحقّق منهم ذلك، والتزموا بما أمر الله تعالى به، كان حقّاً عليه أن يعينهم، وكان النصر والغلبة حليفهم، أمّا إن تخاذلوا أو قصّروا، فستكون العاقبة خسراناً وانهزاماً.
إنّ للنصر شروطه، ومن ظنّ أنّه يحصل عليه من دون تهيئة أسبابه ومقدّماته، فإنّه لا يصل إلى مرامه، بل لا بدّ من الجدّ والعمل الدؤوب والتحرّك الواسع وتهيئة المستلزمات، وعندما يستحقّ المسلمون النصر بإخلاصهم، ينجدهم الله وينصرهم على أعدائه، وهذا ما كان يحدث مع الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في كافّة حروبه التي كانت تتكلّل بالنصر.
وإنّ من هذه السنن والقوانين:
1. الإيمان بأنّ النصر يكون من عنده تعالى، فمَن ينصره الله لن يُغلب أبداً، ومَن خذله فلن يُنصر أبداً، ولو كان معه العَدد والعُدَّة، يقول تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرُكُمْ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ المُؤْمِنُونَ﴾[2]، ويقول أيضاً: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[3].
2. النصر لِمَن ينصر الله، وقد جاء هذا القانون بصيغة الشرط والجزاء في القرآن الكريم، إذ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[4]. وجاء في صورة الخبر الثابت المؤكَّد بلام القسم ونون التوكيد: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[5].
وإنَّ تتحقَّق النصرة لله تعالى، إنّما يكون بنُصرة دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شرعه في خلقه، وبهذا جاء في وصف مَن ينصرون الله تعالى، عقب الآية السابقة، قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[6].
3. التوكّل على الله والأخذ بالأسباب الطبيعيّة، إذ إنّ التوكّل من أهمّ عوامل النصر؛ لقول الله تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[7]، وقال أيضاً: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾[8]. ولا بدّ في التوكّل من الأخذ بالأسباب؛ لأنّ التوكّل يقوم على الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره تعالى، والأخذ بالأسباب الطبيعيّة، كالتخطيط والتدريب والتجهيز ومعرفة العدوّ وخططه وتقنيّاته، يقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾[9].
التوكّل سبب انتصار الثورة الإسلاميّة
وإنّ خير شاهدٍ ومصداق في عصرنا الحاليّ على تحقّق وعد الله لمن يتوكّل عليه، الثورة الإسلاميّة المباركة بقيادة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)؛ إذ إنّ المتتبِّع للظروف التي نشأت في ظلّها الثورة، يرى أنّه بالحسابات والإمكانيّات المادّيّة الموجودة آنذاك لن يُكتَب لها النصر، ولكنّ التوكّل على الله، وإرادة التغيير، أشعل فتيل النصر، وهو ما يشير إليه الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، إذ يقول: «إنّ انتصارنا وانتصار شعبنا في نهضته، كان بسبب التوكّل على الله»[10].
نعم، إنّ التوكّل على الله تعالى من العناصر الأساسيّة التي ساعدت على النصر والعزّة، وبه كان المدد الغيبيّ وتحقّق الأهداف، يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «إنّنا نعلم أنّ الإمداد الغيبيّ الإلهيّ هو الذي جعل هذه الثورة العظمى التي قطعت أيدي ناهبي العالم والظالمين عن إيران الكبرى، تنتصر»[11].
المقاومة الإسلاميّة امتداد للثورة
وإنّ من النعم الإلهيَّة لانتصار ثورة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، أنَّها بدأت تُؤتي أكلَها في أرجاء المعمورة، وكان لها تأثيرٌ عظيم على نصرة المستضعفين في المنطقة، فقد امتدّت يد التغيير إلى لبنان، لتكون المقاومة الإسلاميّة، وليخرج الناس، مقدّمين الغالي والنفيس في مواجهة العدوّ ومقاومته، حتّى يُطرد من أرضه ذليلاً، وتكون العزّة لله ولرسوله والمؤمنين، وهكذا كان ولا زال صدى الثورة يتردّد كلّ يوم في رفض الظلم وحبّ الجهاد والشهادة، ليعيش الناس أعزّةً في ديارهم.
وقد اقترن زمن الثورة في الحادي عشر من شباط بدم الشهادة في الثاني عشر والسادس عشر منه ليولَد معه أسبوع المقاومة، التي قدّمت قادتها شهداء على هذا النهج المُمهِّد لثورة القائد الإلهيّ والمُنقذ المُحمّديّ القائم المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه الشريف).
الحفاظ على النصر
في الختام، إنّ من أهمّ المهام الملقاة على عاتقنا اليوم الحفاظ على النصر، وعلى ما وصلنا إليه من مراتب العزّة والكرامة والمنعة، ولا يكون ذلك إلّا من خلال الحفاظ على عوامل النصر نفسها؛ لذا يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الانتصارات قيّمة وثمينة وجديرة بالفرح، ولكن ينبغي عدم الاغترار بها. هناك كثيرون يحقّقون في بداية المطاف انتصاراً، ولكن بعد أن يتحقّق لهم هذا النصر يواجهون مشكلة لسبب ما ولعامل معيّن، والمثال المعروف على ذلك في التاريخ، هو معركة أحد في زمن الرسول، والتي شارك فيها الرسول بنفسه، وكان في وسط الساحة، وانتصر المسلمون، لكنّ غفلة معيّنة تسبّبت في انقلاب هذا الانتصار إلى هزيمة، واستشهاد قائد كبير مثل حمزة سيّد الشهداء، واستشهاد كثيرين وإصابة كثيرين، وإلى أن يخرج جيش الإسلام من المعركة مغلوباً!
ينبغي الحفاظ على النصر، والحفاظ على النصر يكمن في الحفاظ على عوامل النصر. عوامل النصر هي الإيمان والجهاد الدائم والسعي المستمرّ والوحدة والتآزر. ينبغي عدم التفريط بهذه الأمور»[12].
[1] سورة البقرة، الآية 249.
[2] سورة آل عمران، الآية 160.
[3] سورة الأنفال، الآيتان 9 و10.
[4] سورة محمّد، الآية 7.
[5] سورة الحجّ، الآية 40.
[6] سورة الحجّ، الآية 41.
[7] سورة آل عمران، الآية 160.
[8] سورة آل عمران، الآية 159.
[9] سورة الأنفال، الآية 60.
[10] الإمام الخميني، منهجية الثورة الإسلاميّة، ص189.
[11] المصدر نفسه.
[12] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 30/10/2019م.