الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1566 12 ذو القعدة 1444 هـ - الموافق 01 حزيران 2023م

مَن تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

تعزية برحيل الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه)
بدايةً، نعزّي وليَّ أمر المسلمين الإمامَ الخامنئيَّ (دام ظلّه)، ومراجعنا وقادتنا العظام، والأمّة الإسلاميّة جمعاء، بذكرى رحيل الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) في الرابع من حزيران عام 1989م. هذا الإمام العظيم الذي يقول فيه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ الخريطة التي رسمها الإمام لم تكن نتاجَ فكر إنسانٍ فقط، لقد كان مؤيَّداً من عند الله، قطعاً ويقيناً، إنّ الإمام العظيم نفسه كان يعرف ذلك، ويقرّ ويعلن ويقول: «إنّ كلّ ما جرى، قد تمّ بيد القدرة الإلهيّة»[1].

الأسرة نواة المجتمع
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّما زوّجتُ مولاي زيدَ بنَ حارثة زينبَ بنتَ جحش، وزوّجتُ المقدادَ ضُباعةَ بنتَ الزبير؛ لتعلموا أنّ أكرمَكُم عند الله أحسنُكُم إسلاماً»[2].

الأسرة وحدةٌ اجتماعيّةٌ متكاملة، وصورة واقعيّة للمجتمع، بل هي نواته الأساس؛ لذا حرص الإسلام كثيراً على سلامة العلاقات بين أفرادها وضرورة تنظيمها والمحافظة عليها، إذ ينبغي لها أن تكون الأوثق والأقوى بين أفراد المجتمع؛ وذلك نظراً للروابط الرَحميّة القائمة بينهم، سواءٌ بين الزوجين، أو بين الآباء وأبنائهم، أو بين الأبناء أنفسهم؛ فهذه العلاقات هي الأقرب في الصلات، ولا شكّ في أنّه كلّما كانت علاقات أفراد الأسرة وثيقةً وقويّة، كانت الروابط الاجتماعيّة أقوى وأفضل، لمناسبة العلاقة الطرديّة القائمة بين الأسرة وبين المجتمع؛ إذ إنّ هذه العلاقات تسري من أفراد الأسرة الصغيرة، إلى الأسرة الأكبر التي تشمل الأجداد والأعمام والأخوال، ومنها إلى القرابات الرَحميّة الأوسع، ثمّ إلى الجيران والأصهار والعلاقات السببيّة الناشئة من التفاعلات الاجتماعيّة.

حسن الاختيار
لذلك، كلّما كانت قيم التعاون والتراحم والتوادّ والتكافل والتكامل هي الحاكمة؛ كانت العلاقات أقوم وأشدّ. وكلّما كانت مبادئ التحاسد والتباغض والأنانيّة والجشع وسوء النيّة وسوء الظنّ هي الحاكمة، كانت المشكلات مستشرية بين أفراد الأسرة.

من هنا، ينغي العمل دائماً على تدارك المشكلات، والتنبّه لها قبل وقوعها، والعمل على تفاديها، وهذا لا يختصّ فقط بمرحلة ما بعد الارتباط والزواج، بل إنّه يبدأ من عمليّة الاختيار وانتقاء الزوج، إذ ينبغي أن يكون ذلك خاضعاً للضوابط الإسلاميّة التي جاء بها الدين الحنيف.

التفاوت ومعيار الاختيار
وإنّ من أبرز ما يمكن أن يتسبّب بالخلافات بين الزوجين، التفاوتَ بينهما والفروقات الاجتماعيّة والعلميّة والنفسيّة والدينيّة... وما قد ينشأ عن ذلك من اختلافٍ في الآراء، وتغايرٍ في الطباع.

ومن أنواع التفاوت والاختلاف التفاوت الاجتماعيّ، أو عدم المساواة الاجتماعيّة؛ وهو الاختلاف في الطبقة الاجتماعيّة، والذي قد يكون ناشئاً عن اختلاف الحالة الاقتصاديّة لكلٍّ منهما، من فقرٍ وغنىً، أو تفاوت في الأنساب ومكانة الأجداد؛ الأمر الذي قد يؤدّي إلى عدم التفاهم والتوافق، إذ يكون له أثرٌ على رؤية كلٍّ منهما، وتفكيره، وردود أفعاله، وهذا قد يُثمِر تصادماً وخلافاً وعدمَ ارتياح بين الزوجين، بل وبين العائلتين.

وفي علاج هذا الأمر، ينبغي في البداية أن يكون اختيار الزوج قائماً على أساس المعايير الإسلاميّة والدينيّة، وعلى أساس الصفات الشخصيّة للطرف المقابل، فلا ينبغي للرجل أن يتزوّج امرأةً لمالها وجمالها، مهملاً تديّنَها وإيمانها، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن تزوّج امرأةً، لا يتزوّجها إلّا لجمالها، لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها، لا يتزوَّجها إلّا له، وَكَلَه الله إليه؛ فعليكم بذات الدين»[3]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «أيّها الناس، إيّاكم وخضراء الدِّمَن؟»، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدِّمَن؟ قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء»[4].

أمّا في ما يرتبط بالتفاوت المذكور، فإنّ الأساس والمعيار هو الإسلام، وقد ألغى الإسلام الفروقات الطبقيّة بين الناس، وجعل المكانة والرفعة والمفاضلة مرتبطةً بدرجة التقوى والإيمان والقرب من الله عزّ وجلّ، وقد ورد أنّ الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) أعتق جارية، ثمّ تزوّجها، فكتب عبد الملك بن مروان إليه يعاتبه على هذا الأمر، قائلاً: «أمّا بعد، فقد بلغني تزويجُكَ مولاتَكَ، وقد علمتُ أنّه كان في أَكْفائِكَ من قريش مَن تَمَجَّدُ به في الصِهرِ، وتَستَنْجِبُه في الوَلَد، فلا لنفسِكَ نظرْتَ، ولا على وُلْدِكَ أبقيتَ، والسلام»، فردّ عليه الإمام السجّاد (عليه السلام)، مبيّناً له المعيار الأساس في التفاوت والتفاضل: «أمّا بعد، فقد بلغني كتابُك تعنِّفُني بتزويجي مولاتي، وتزعمُ أنّه كان في نساء قريشٍ من أَتَمَجَّدُ به في الصهر، واستنجِبُهُ في الولدِ، وأنّه ليس فوق رسولِ الله (صلّى الله عليه وآله) مُرْتَقاً في مجدٍ، ولا مُسْتَزَاد في كرم، وإنّما كانت مُلكَ يميني، خرجَت متى أراد اللهُ عزّ وجلّ منّي بأمرٍ ألتمسُ به ثوابَه، ثمّ ارْتجعتُها على سُنّةٍ، ومَن كان زَكيّاً في دين الله، فليس يُخِلُّ به شيءٌ من أمرِه، وقد رفعَ اللهُ بالإسلام الخسيسَةَ، وتمَّمَ به النقيصةَ، وأذهبَ اللؤمَ، فلا لؤمَ على امْرِئٍ مسلمٍ، إنّما اللؤمُ لؤمُ الجاهليّةِ، والسلام»[5].

أمّا من جهة أن تتزوّج المرأةُ من رجل دونها حسباً أو نسباً، فإنّ العلاج هو نفسه في ما يرتبط بأنّ المعيار الأساس هو الدين والإسلام، ولا تفاضل بشيء آخر، وهذه قصّة جويبر الذي «أتى رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) منتجِعاً للإسلام، فأسلم وحسُنَ إسلامُه، وكان رجلاً قصيراً دميماً محتاجاً عارياً، وكان من قِباح السودان، فضمَّه رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) لحالِ غُربتِه وعَرَاه، وكان يُجْري عليه طعامَه صاعاً من تمرٍ بالصاع الأوّل، وكساه شَملتَين، وأمرَه أن يَلزَم المسجد، ويرقُدَ فيه بالليل»[6]، وعندما حثّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على الزواج، قال جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، مَن يرغَب فيَّ؟ فوالله، ما مِن حَسَبٍ، ولا نَسَبٍ، ولا مالٍ، ولا جمالٍ، فأيّة امرأة ترغب فيَّ؟! فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يا جويبر، إنّ الله قد وضع بالإسلام مَن كان في الجاهليّة شريفاً، وشرّف بالإسلام مَن كان في الجاهليّة وضيعاً، وأعزّ بالإسلام مَن كان في الجاهليّة ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهليّة وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم، أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم، من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحبَّ الناس إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة أطوعُهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلّا لمن كان أتقى لله منك وأطوع»، ثمّ قال له: «انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنّه من أشرف بني بَيَاضة حسباً فيهم، فقل له: إنّي رسولُ رسولِ الله إليك، وهو يقول لك: زوِّج جويبراً ابنتَك الذلفاء»[7].

فقد جعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) التقوى معياراً للتفاضل، إذ قال: «وما أعلم يا جويبر لأحدٍ من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلّا لمن كان أتقى لله منك وأطوع».

وقد يكون التفاوت العلميّ بينهما سبباً أيضاً للخلافات والمشاكل، فإنّ علاجه يكون بتخيّر ذات الدين للرجل، كما في الحديث المتقدِّم، التي ترى زوجها وليّاً لها، واجبَ الاحترام والتقدير. أمّا المرأة، فعليها أن تتزوّج ممّن يتّقي الله، فيكرمها ولا يظلمها، وقد جاء رجل إلى الإمام الحسن (عليه السلام) يستشيره في تزويج ابنته، فقال: «زوّجها من رجلٍ تقيّ؛ فإنّه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها»[8]، وإلّا ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[9]، ولا يجوز له أن يُعضِلها، أو يؤذيها ويضرّها، حتّى تبذل له في سبيل أن تختلع منه، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «ألا وإنّ الله عزّ وجلّ ورسوله بريئان ممّن أضرّ بامرأةٍ حتّى تختلع منه»[10].

ومن التفاوت أيضاً، ما يكون في الخصال النفسيّة والكمالات العقليّة؛ فإنّ ذلك قد ينتج عنه التدنّي في مستويات الوعي عند أحد الطرفين على الأقلّ، وقد يطبع صاحبه بالحمق، أو السذاجة، أو التزمّت والسلبيّة، ما يُسهم في تقويض دعائم الأسرة من الانسجام والتناغم، بسبب انعدام سُبُل التفاهم والتلاقي.

في الختام، إنّ الإيمان والتديّن والأخلاق الحسنة، لهي معيار أساس وضابطة ضروريّة جدّاً في عمليّة الاختيار والانتقاء، تفادياً للمشكلات، فإذا كان أحد الزوجين قليلَ التديُّن وسيّءَ الخُلق، فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى بروز الكثير من المشكلات الزوجيّة والأسريّة، ويتّضح ممّا سبق حثّ الشريعة على التزويج بذات الدين ومَن يُرتضى خلقه ودينه.

كتب عليّ بن أسباط إلى الإمام الباقر (عليه السلام) في أمر بناته، وأنّه لا يجد أحداً مثلَه، فكتب إليه الإمام (عليه السلام): «فهمتُ ما ذكرتَ من أمر بناتِك، وأنّكَ لا تجد أحداً مثلكَ، فلا تنظر في ذلك رحمكَ الله؛ فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إذا جاءكم مَن تَرْضَوْنَ خُلُقَه ودِينَه، فزوّجوه، إلّا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير»[11].


[1] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 04/06/2014م.
[2] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص78.
[3] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج7، ص399.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص332.
[5] المصدر نفسه، ج5، ص345.
[6] المصدر نفسه، ج5، ص340.
[7] المصدر نفسه.
[8] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص204.
[9] سورة البقرة، الآية 229.
[10] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص287.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص347.

31-05-2023 | 14-31 د | 10532 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net