الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1570 10 ذو الحجة 1444 هـ - الموافق 29 حزيران 2023م

أوّلُ منازلِ الآخرة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ القبرَ أوّلُ منازل الآخرة؛ فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه»[1].

يصعب على الإنسان إدراك الحياة بعد الموت، تماماً كحال الجنين في بطن أمّه، يصعب عليه إدراك حقيقة الدنيا. وإنّ الطريق الوحيد بين أيدينا لتصوّر ذلك، يتمثّل في ما تعكسه لنا الآيات والروايات. والتي ذكرت أنّ القبر هو أوّل منازل الآخرة، وفيه يُسأل المرء عن أصول دينه وعقيدته، وعن عمره في ما أفناه، وعليه يكون «روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران»[2].

لم يتعرّض القرآن الكريم للتفاصيل والجزئيّات المرتبطة بعالم القبر والبرزخ، إنّما تكلّم على أصل وجوده، وأنّ فيه فريقاً يتنعّم بنعم الله تعالى، وآخر في العذاب. إلّا أنّ السنّة المباركة تحدّثت بإسهاب عن هذه التفاصيل، ولتقريب هذه الصورة، نتوقّف عند بعض ما جاء في الأخبار والروايات حول ما يجري في هذا العالم.

الأرواح في القبر
بدايةً، ما يظهر في الروايات ويمكن استخلاصه، أنّ الأرواح في عالم البرزخ تتعلّق بأبدان تماثل الأبدان الدنيويّة وتشابهها، لكن بلطافةٍ تناسب تلك النشأةَ والمقامَ الوجوديَّ فيها، وقد أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) كيفيّة بقاء الروح في عالم البرزخ، إذ يقول يونس بن ظبيان: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: «ما يقول الناس في أرواح المؤمنين؟»، فقلت: يقولون: تكون في حواصل طيورٍ خُضر في قناديل تحت العرش، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «سبحان الله! المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحَه في حوصلة طير. يا يونس، إذا كان ذلك أتاه محمّد (صلّى الله عليه وآله) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) والملائكة المقرّبون (عليهم السلام)، فإذا قبضه الله عزّ وجلّ، صيّر تلك الروح في قالب كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا»[3]. 

المساءلة في القبر
ومن أبرز ما تكلّمت عليه الروايات المساءلة في القبر، إذ ذُكر فيها أنّ الإنسان عندما يوضع في القبر يأتي إليه اثنان من ملائكة الله، فيسألانه عن أصول دينه، وعن عمره في الدنيا، وعن ماله، من أين اكتسبه وفي ما أنفقه... فإن كان من المؤمنين، غمرته الرحمة الإلهيّة، وأجاب عنها، وإلّا فإنّه سوف يفشل في الإجابة، ويكون مستحقّاً للعذاب. وقد أُطلق على هذين الملكين اسم ناكر ونكير، وفي رواية منكر ونكير. عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان يعظ الناس، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في أعمال الآخرة، فيقول: «ألا وإنّ أوّل ما يسألانك عن ربّك الذي كنت تعبده، وعن نبيّك الذي أُرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولّاه، ثمّ عن عمرك في ما كنت أفنيته، ومالك من أين اكتسبته، وفي ما أنت أنفقته؛ فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأَعِدَّ الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار»[4]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «يُسأل الميّت في قبره عن خمس؛ عن صلاته وزكاته وحجّه وصيامه وولايته إيّانا أهل البيت، فتقول الولاية من جانب القبر للأربع: ما دخل فيكنّ من نقص، فعليَّ تمامه»[5].

والذي يتّضح من الروايات أنّها ليست أسئلة وأجوبة عاديّة يتمكّن الإنسان من الإجابة عنها بما يحلو له، بل هي أسئلة ترتبط أجوبتها بإيمان الإنسان وصحيح معتقداته، وما تلقين الأموات للشهادة إلّا إشارة لذلك.

مَنِ الذي يُسأل؟
هذا وتدلّ الأخبار على أنّ أسئلة القبر توجّه إلى فريقين من الناس؛ الأوّل مَن مُحّض الإيمان محضاً، والثاني مَن مُحِّض الكفر محضاً؛ أمّا الآخرون، فإنّ سؤالهم يُرجأ إلى يوم القيامة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يسألُ في القبر إلّا من مُحِّض الإيمان محضاً أو مُحَّض الكفر محضاً، والآخرون يُلهَون عنهم»[6].

ضغطة القبر
ومن المسلّمات في عالم القبر الضغطة أو الضمّة، وهي أوّل العقوبات في هذا العالم، ولكن هل تشمل هذه الضغطة جميع الناس، أم أنّها تختصّ بغير المؤمنين؟ ثمّة أمران:

الأوّل: شمولها الجميعَ من دون استثناء، إلّا أنّها تكون شديدة على بعضهم، بينما تكون أقل شدّة على بعضهم الآخر؛ وذلك بحسب أعمالهم. وإنّ تعرّض المؤمنين لهذه الضغطة، يكون كفّارة عن ذنوبهم، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم»[7]، وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله): «إنّه ليس من مؤمن، إلاّ وله ضمّة»[8].

الثاني: ما يستفاد من روايات أخرى، بأنّ الأصلَ عدمُ إصابة المؤمنين، ولكن قد يتعرّض بعضهم لها بسبب سوء أفعالهم، كقطيعة الرحم أو سوء الخلق... ولعلّ هذا الأمر هو الأقرب، وهو الذي ينسجم مع رواية الإمام الصادق (عليه السلام) المتقدّمة، التي علّلت ضغطة القبر للمؤمن بـ «تضييع النعم»، وهو ما يُستفاد من رواية له (عليه السلام) أيضاً، إذ يقول: «نعوذ بالله منها، ما أقلّ مَن يفلت من ضغطة القبر»[9]. وكذلك تؤكّد بعض الروايات أنّه من قام أو داوم على بعض الأعمال الصالحة، فإنّه ينجو منها.

مُنجيات من عذاب القبر
نذكر من هذه الأعمال:

1. صلاة الليل: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «عليكم بصلاة الليل؛ فما من عبد مؤمن يقوم آخر الليل، فيصلّي ثماني ركعات، وركعتي الشفع، وركعة الوتر، واستغفر لله في قنوته سبعين مرّة، إلّا أُجير من عذاب القبر ومن عذاب النار، ومُدَّ له في عمره، ووُسِّع له في معيشته»[10].

2. الوضوء: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «رأيتُ رجلاً من أمّتي قد بُسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فمنعه منه»[11].

3. قراءة بعض السور القرآنيّة
أ. سورة الزخرف: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن أدمن قراءة حم الزخرف، آمنه الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر»[12].
ب. سورة القلم: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو نافلة، آمنه الله عزّ وجلّ من أن يصيبه فقر أبداً، وأعاذه الله إذا مات من ضمّة القبر»[13].
ج. سورة التكاثر: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن قرأ ألهاكم التكاثر عند النوم، وُقي فتنة القبر»[14].

4. ركعتان ليلة الجمعة: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن صلّى ليلة الجمعة ركعتين، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرّة، آمنه الله من عذاب القبر، ومن أهوال يوم القيامة»[15].

5. زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): عن الإمام الباقر (عليه السلام) في ثواب زائر الإمام الحسين (عليه السلام): «... فإن مات سنته، حضرته ملائكة الرحمة، يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار له، ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويُفسَح له في قبره مدَّ بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكر ونكير أن يروّعانه، ويُفتَح له باب إلى الجنّة، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُعطى له يوم القيامة نوراً يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي منادٍ: هذا من زوّار الحسين شوقاً إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلّا تمنّى يومئذٍ أنّه كان من زوّار الحسين (عليه السلام)»[16].

ارتباط الروح بهذا العالم
في الختام، إنّ هذه الروح لا تنفصل عن الدنيا مطلقاً، بل يبقى لها نحو ارتباطٍ وتعلّقٍ بهذا العالم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المؤمن ليزور أهله فيرى ما يُحبّ ويُستَر عنه ما يكره، وإنّ الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويُستَر عنه ما يحبّ»، قال: «ومنهم مَن يزور كلّ جمعة، ومنهم مَن يزور على قدر عمله»[17].

كما أنّ الروح تنتفع بأعمال الآخرين الصالحة، إذ أشارت النصوص إلى أنّ عمل الخيرات لأرواح الأموات تصل إليهم على شكل هدايا، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أهدوا لموتاكم»، فقلنا: يا رسول الله، وما هديّة الأموات؟ قال: «الصدقة والدعاء»[18]، وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن زار قبر مؤمنٍ، فقرأ عنده (إنّا أنزلناه) سبع مرّات، غفر الله له ولصاحب القبر»[19].

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مرّ عيسى بن مريم (عليه السلام) بقبرٍ يُعذَّب صاحبه، ثمّ مرّ به من قابل، فإذا هو لا يُعذَّب، فقال: يا ربِّ، مررتُ بهذا القبر عام أوّل، فكان يُعذَّب، ومررتُ به العام فإذا هو ليس يُعذَّب! فأوحى الله إليه أنّه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً وآوى يتيماً، فلهذا غفرتُ له بما فعل ابنه»[20].


[1] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص494.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، ص119.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص245.
[4] المصدر نفسه، ج8، ص73.
[5] المصدر نفسه، ج3، ص241.
[6] المصدر نفسه، ج3، ص235.
[7] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص633.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج6، ص221.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص236.
[10] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص320.
[11] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص301.
[12] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص113.
[13] المصدر نفسه، ص119.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص623.
[15] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص259.
[16] ابن قولويه، كامل الزيارات، ص270.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص230.
[18] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج2، ص484.
[19] الشيخ الصدوق، الهداية، ص121.
[20] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص4.

27-06-2023 | 12-52 د | 920 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net