بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك في هذه اليوم العظيم، وعيد الله الأعظم، عيد الغدير الأغرّ.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَنا مِنَ المُتَمَسِّكِينَ بِولايَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ (عَلَيْهِم السَّلامُ).
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أكْرَمَنا بِهذا اليَوْمِ، وَجَعَلَنا مِنَ المُوْفِينَ بِعَهْدِهِ إلَيْنا، وَمِيثاقِهِ الَّذِي وَاثَقَنا بِهِ، مِنْ ولايَةِ وُلاةِ أمْرِهِ وَالقُوَّامِ بِقِسْطِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْنا مِنَ الجاحِدِينَ وَالمُكذِّبِينَ بِيَومِ الدِّينِ.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلّا من أطاع الله عزّ وجلّ»[1].
عيد الغدير عيد الولاية
إنّ الرسالة الأهمّ لعيد الغدير هي تأكيد مبدأ الولاية وقيادة الأمّة من قِبل الإمام المعصوم (عليه السلام)؛ لذا قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد نزول الأمر الإلهيّ عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[2]، بتنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) ومنحه الولاية؛ بمعنى الحكومة والإدارة للمجتمع الإسلاميّ والمسلمين، قائلاً بعد أن أخذ بيد عليّ (عليه السلام): «ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسِهم؟» قالوا: بلى، قال: «فمَن كنتُ مولاه، فهذا عليٌّ مولاه»[3].
يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «هذا النصب التشريعيّ، يعني الحكومةَ وإدارةَ المجتمع الإسلاميّ وولايةَ أمر المسلمين، المصحوبة طبعاً بتلك الولاية الإلهيّة العامّة التي توفّرت في الشخص المقدّس للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام)، فالولاية بذلك المعنى كانت موجودة حتّى عند الأئمّة الذين لم يمارسوا الولاية الظاهريّة، فما تمتّع به أمير المؤمنين المُنَصَّب من قبل النبيّ هو الولاية السياسيّة، وهو المعنى الذي أوجده الله عزّ وجلّ في الإسلام على يد النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)»[4].
الولاية تعني الطاعة
إنّ ولاية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) فريضةٌ ثابتةٌ من الله تعالى على عباده، وهي شرطٌ في قبول الأعمال، وقد صرّحت الروايات بأنّها لا تتحقّق إلّا بطاعة الله، ولا تُنال إلّا بالروع عن محارمه. عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا جابر، والله ما نتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع»[5]. فولاية أهل البيت (عليهم السلام) تعني الطاعة لله، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ومن كان لله عاصياً ومخالفاً فهو لهم عدوّ، حتّى لو ادّعى المولاة لهم، وإنّ حبَّهم وولاءهم منجاة، عندما يقترن هذا الحبّ بالعمل الصالح، ويتحلّى الموالي لهم بالصدق والأمانة والورع والتقوى.
ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)
رُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أنّه قال لعمّار بن ياسر: «إنْ سلك الناسُ كلُّهم وادياً، فاسلك وادي علي، وخلِّ عن الناس. يا عمّار، إنّ عليّاً لا يردّك عن هدى، ولا يردّك إلى ردى. يا عمّار، طاعة عليٍّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله»[6].
إنّ من أراد أن يكون من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومواليه، يجب عليه أن يسلك واديَه، وأن ينتهج منهجه، وأن يحذو حذوَه في هذه الدنيا، ولا أقلّ من إعانته على ذلك كما طلب (صلوات الله وسلامه عليه)، إذ يقول: «أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِه، ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِه، أَلَا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاه بِطِمْرَيْه، ومِنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْه، أَلَا وإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ»[7].
لنكون شيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ينبغي أن ندخل إلى مدرسته، نتعلّم منها، ننهل من معينها في العقيدة والإيمان والسلوك.
عليّ مع الحقّ
وإنّ من أهمّ ما ينبغي الوقوف عليه في مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام) الحقّ؛ فإنّ أتباعه وأولياءه (عليه السلام) لا ينبغي لهم أن يحيدوا عن الحقّ وأهله، بل ينبغي العمل به، وإن كان على خلاف أهوائهم ومصالحهم، بل وإن جرّ عليهم المصائب والابتلاءات، وعليهم أن يتركوا الباطل، ويجتنبوا أهله، وإن حقّق لهم المكاسب والفوائد. وقد أوضح الله تعالى للناس طرق الحقّ، وجعل عليها الدلائل والأعلام، فالإنسان على بيّنة تامّة إن أراد الرشد والهدى، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ؛ فَشِقْوَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ»[8].
وعليه، فإنّ الإنسان الذي يريد أن يتمسّك بالحقّ، ويكون على الحقّ ومعه، لا بدّ من أن يأخذ بمحابّ الأعمال ويدع مكارهها، فقد قال (عليه السلام): «فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً وَسُبُلًا نَيِّرَةً وَمَحَجَّةً نَهْجَةً، وَغَايَةً مُطَّلَبَةً، يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ، وَيُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ، مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ، وخَبَطَ فِي التِّيه»[9].
كما ونهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الأنس بغير الحقّ، وعن الوحشة إلّا من الباطل؛ فإنّ الباطل مصيره إلى النار، ولو عرفه المرء لاستوحش منه، والحقّ مصيره إلى الجنّة والسعادة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ، ولَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لأَحَبُّوكَ، ولَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لأَمَّنُوكَ»[10].
كيفيّة الوصول إلى الحقّ
ربّما يقال: صحيح أنّ الحقّ واضح، وله علامات، والمطلوب منّا متابعته لنكون من أهله، ومن أهل النجاة، ولكن كيف يمكننا الوصول إليه؟! هل ثمّة ما نروّض النفس عليه لتصبح من أهل الحقّ؟!
نعم، وردت الإشارة في نهج البلاغة إلى عدّة أمور توصلنا إلى الحقّ لا محالة، نذكر منها:
1. الجدّ والاجتهاد: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ»[11].
2. الالتزام بأوامر الله: عنه (عليه السلام): «قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ[12] وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ، فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ»[13]؛ فالبصير بتحويل الأمور وتقليبها لاستنباط وجوه المصالح، ربّما يعرف الحيلة، كأنّها يراها عياناً، ومع ذلك لا يُقدِم عليها، ولا يعمل بها، لوجود مانعٍ من أمر الله ونهيه، بينما يبادر إليها من لا مبالاة له في أوامر الشرع المبين، ولا خوف له من الله ربّ العالمين[14].
3. ترك الهوى: عنه (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ؛ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ»[15].
لزوم الجماعة وعدم الفرقة
في الختام، إنّ الاعتقاد بالإمامة والولاية هو من أركان المذهب الإماميّ وأصوله، وقد عدّه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) الركن الأساس لمذهب الشيعة، وهذا لا يعني أن يكون سبباً للاختلاف والفرقة بين المسلمين. فعلى الشيعة وعلى سائر الفرق الإسلاميّة، أن لا يخلقوا في أنفسهم تحسّساً يؤدّي إلى الفرقة والاختلاف بينهم، فهذا ما يريده العدوّ. إنّ أعداء الإسلام يسعَون لاستغلال القضايا الصغيرة الخاصّة بكلّ فرقة وجماعة إسلاميّة لبثّ الفرقة بين المسلمين[16].
وقد أكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) لزوم الجماعة، إذ قال: «وَالْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ؛ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ. وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ»[17].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص73.
[2] سورة المائدة، الآية 67.
[3] الشيخ الصدوق، الهداية، ص149.
[4] من كلامٍ له (دام ظلّه) في عيد الغدير الأغرّ، بتاريخ 18 ذي الحجّة 1416هـ.
[5] الشيخ الكلينّي، الكافي، ج2، ص74.
[6] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص7.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص417، الكتاب 45.
[8] المصدر نفسه، ص221، الخطبة 157.
[9] المصدر نفسه، ص390، الخطبة 30.
[10] المصدر نفسه، ص188، الخطبة 130.
[11] المصدر نفسه، ص73، الخطبة 29.
[12] الحوَّل القلَّب: الذي قد تحوّل وتقلّب في الأمور، وجرّب، وحنّكته الخطوب والحوادث.
[13] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص83، الخطبة 41.
[14] راجع: الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج4، ص193.
[15] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص83، الخطبة 42.
[16] من كلامٍ له (دام ظلّه) في عيد الغدير الأغرّ، بتاريخ 18 ذي الحجّة 1415هـ.
[17] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص184، الخطبة 127.