محاور الموضوع الرئيسة:
- موكب العزة والحرية.
- صوت الحرية والحق.
- مواقف الأحرار في وجه السجّانين الطغاة.
الهدف:
التعرّف على مبادئ الحرية من مواقف السيدة زينب في مواجهة الأمويين وأعوانهم الظلمة.
تصدير الموضوع:
قالت السيدة زينب عليها السلام في خطبتها في الشام: "أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاء".
1- الثورة الفريدة بشهدائها وأسراها
ثورة الإمام الحسين عليه السلام نموذج من الثورات الفريدة في تاريخ البشرية، في أهدافها،و مبادئها، ونتائجها، وقادتها، وشهدائها، وأسراها وسباياها، فقد أرسى دم الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه على مدار التاريخ مجموعة من المبادئ والثوابت، في مواجهة الظلم والظالمين مهما غلت التضحيات، وقلّ العدد، وتواضعت العدة والعتاد، وأرسى أسرى وسبايا البيت الحسيني في وجه الطغاة، مسار الحرية والثبات على الحق، والصبر والإرادة الصلبة، وإن كبّلت الأصفاد الأيدي والأرجل. وهذا ما جعل عاشوراء تخلد عبر التاريخ، فكان كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.
2- موكب العزة والحرية
تحرَّك موكب سبايا أهل البيت عليهم السلام من كربلاء المقدّسة نحو مدينة الكوفة وهو يقطع الصحاري، في الحادي عشر من المحرّم 61 هـ، وقد حمل جيش عمر بن سعد السبايا على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء، وساقوهم كما يساق سبي الترك والروم في أشد المصائب، وتتقدّمهم الرؤوس على الرماح، حتى دخل الركب الكوفة في اليوم الثاني عشر من المحرَّم 61 هـ، واقتسمت القبائل الرؤوس بينها1.... وقد تمكّنت السيدة زينب عليها السلام في هذه الظروف القاسية والصعبة- أن تقود المسيرة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام، وأن تكمل النهج الحسيني بكل جدارة وثبات وقوة، وذلك من خلال حركة جهادية ثابتة وراسخة في وجه الظلم اليزيدي والحقد الأموي.
3- صوت الحرية والحق في الكوفة
لما دخل موكب السبايا الكوفة، خرج الناس إلى الشوارع، بين مُتسائل لا يدري لمن السبايا، وبين عارف يُكفكف أدمعاً ويُضمر ندماً ولما اتَّجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقاً جموع أهل الكوفة، وهم يبكون لما حلَّ بالبيت النبوي الكريم، قال بشير بن خزيم ألأسدي: ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذ، ولم أر خفرة والله أنطق منها، كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت:
"الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاَةُ عَلىَ جَدِّي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الأَخْيَارِ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ"3" والْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ؟! فَلَا رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ...َأتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ فَابْكُوا كَثِيراً، واضْحَكُوا قَلِيلاً، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا...وَيْلَكُمْ يَا أَهلَ الْكُوفَةِ، أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللهِ فَرَيْتُم؟! وَأيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أبْرَرْتُمْ؟! وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ؟! وَأّيَّ حُرْمَةٍ لَهُ انتَهَكْتُمْ؟! لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا صَلعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْدَاءَ فَقُمَاءَ...أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزىَ وَأَنْتُمْ لاَ تُنْصَرُونَ..".
فقد تمكّنت عليها السلام بمواجهتها الجريئة للظالمين إيضاح الصورة للرأي العام وإثارتهم على الأمويين، وإظهار المصيبة الكبرى التي داهمت العالم الإسلامي بقتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد قرّعتهم عقيلة الرسول بخطابها البليغ، وعرّفتهم زيف إسلامهم، وكذب دموعهم، وأنّهم من أحطّ المجرمين، فقد اقترفوا أفظع جريمة وقعت في الأرض، بقتل الإمام الذي أراد لهم الخير، وفروا بقتله كبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهكوا حرمته، وسبوا عياله، فأي جريمة أبشع من هذه الجريمة.
4- مواقف الأحرار في وجه السجّانين الطغاة
يمكننا أن نستخلص من مسيرة سبايا وأسرى كربلاء، مجموعة من المواقف والثوابت في مواجهة الظالمين على مرّ التاريخ وإن كبّلت أيدي الأحرار بالأغلال، وقد قاد هذه الحركة السيدة زينب عليها السلام في العديد من الموارد والأماكن نذكر منها:
أ- الموقف الأول: في مواجهة الطاغية: ولمّا روى المجرم الخبيث ابن مرجانة أحقاده من رأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطب السيدة زينب عليها السلام قائلاً:: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأبطل أحدوثتكم.
فأجابته بشجاعة أبيها محتقرة له قائلة: "الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنــــَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَـــاجِرُ، وَهُوَ غَيْـــرُنَا يَا بْنَ مَرْجَانَة". وكذالك عندما خاطبها مستهزئاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟فأجابته حفيدة الرسول بكلمات الظفر والنصر لها ولأخيها قائلة: "ما رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلاً، هؤُلاَءَ قَوْمُ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يا بْنَ مَرْجَانَةَ..".
ب - الموقف الثاني: حماية الإمامة: لما أمر ابن مرجانة بعض جلاديه بقتل الإمام زين العابدين عليه السلام، قائلاً: خذ هذا الغلام واضرب عنقه، فانبرت العقيلة بشجاعة، واحتضنت ابن أخيها، وقالت لابن مرجانة: "حسبك يَا بْنَ زِيَادٍ مَا سَفَكْتَ مِن دِمَائِنَا، إِنَّكَ لَمْ تُبْقِ مِنّا أَحَداً، فَإنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلى قَتْلِهِ فَاقْتُلْني مَعَهُ..". وبهر الطاغية وانخذل، وقال متعجّباً: دعوه لها، عجباً للرحم ودَّت أن تقتل معه.
ج - الموقف الثالث: فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا:
لما وصل موكب السبايا والأسرى إلى الشام، وأدخلوهم إلى مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، وأظهر الطاغية فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً متمنّياً حضور القتلى من أهل بيته ببدر ليريهم كيف أخذ بثأرهم من ذرية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وراح يترنّم هذه الأبيات التي مطلعها:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُو جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ الأَسَـلْ
ولمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات ألقت خطبتها وقد ضمّنتها أعنّف المواقف بوجه يزيد ومما قالته عليها السلام:
"أَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ أَجْمَعِيَن،...
- أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ وَسُوقَكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ،.. وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالبَعِيدُ..
- أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا.فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ إِلاَّ جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ، وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ...
- وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ الْعُيُونُ عَبْرىَ، وَالصُّدَورُ حَرّىَ.أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاء.
- فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا.
فقد تمكّنت السيدة زينب بمواقفها هذه من مواجهة رأس الظلم آنذاك بشكل مباشر يتّضح في مختلف فقر خطبتها الشهيرة، ولكن يمكن إجمال أهمها بالآتي:
- تأنيب المجرم مهما مهما علا شأنه، وقوي سلطانه، وكثر ظلمه، وسفكه للدماء، وأهم من ذلك أن توبيخه حصل في قصر إمارته وأمام أعوانه.
- اللجوء إلى الله والدعوة على الظالمين، وبأخذ الحق منهم، وإنزال الغضب عليهم، وهذا غاية الإيمان والتسليم.
- استصغار قدر الطاغية في محضر قوته وغطرسته، وأن الحق هو الذي اضطرها عليها السلام لمخاطبته.
- التأكيد على ثبات الدين والوحي ونهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام واستمراره، وعدم تمكّن أحد من محوه أو القضاء عليه، حيث أقسمت بعبارة حاسمة نابعة من يقين والإيمان "فوالله لا تمحو ذكرنا".
1- اللهوف في قتلى الطفوف : 84.