بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزِّ المرسلين، سيّدِنا ونبيِّنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك، بحلول عيد الفطر السعيد، سائلين المولى أن يعيدَه على الأمّة والمجاهدين بالخير والبركة والنصر لغزّة وفلسطين والمنطقة إن شاء الله.
مرّ الإمامُ الحسنُ المجتبى (عليه السلام) في يومِ فطرٍ بقومٍ يلعبون ويضحكون، فوقف على رؤوسِهم، فقال: «إنّ اللهَ جعل شهرَ رمضانَ مضماراً لخلقِه، فيستبقون فيه بطاعتِه إلى مرضاتِه، فسَبَقَ قومٌ ففازوا، وقصَّرَ آخرون فخابوا. فالعجبُ كلُّ العجبِ من ضاحكٍ لاعبٍ في اليومِ الّذي يُثابُ فيه المحسنون، ويخسرُ فيه المبطلون. وايمُ الله، لو كُشِف الغطاءُ، لعلموا أنَّ المحسنَ مشغولٌ بإحسانِه، والمسيءَ مشغولٌ بإساءتِه»[1].
سُمّيَ العيدُ عيداً لأنّه يعود كلَّ سنةٍ بفرحٍ مجدَّد[2]. والعيد مشتقٌّ ومأخوذٌ من العادة؛ أي كأنّهم عادوا إليه. وأعياد المسلمين أربعةٌ؛ ثلاثةٌ تعود في السنة مرّةً، وواحد كلَّ أسبوع؛ أمّا الّذي في كلّ أسبوع فهو يوم الجمعة، وأمّا الثلاثة فعيد الفطر وعيد الغدير وعيد الأضحى، عن المفضّل بن عمر، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): كم للمسلمين من عيد؟ فقال: «أربعةُ أعياد»، قال: قلتُ: قد عرفتُ العيدَين والجمعة، فقال لي: «أعظمُها وأشرفُها يومُ الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو اليومُ الّذي أقامَ فيه رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) أميرَ المؤمنين (عليه السلام)، ونصَّبَه للناسِ علَماً»[3].
إنّ الشائعَ بين الناس أنَّ العيدَ يومٌ للفرح بالطعام والشراب، وارتداءِ الثياب الجديدة، والترفيهِ عن النفس، وما شاكل ذلك من هذا القبيل، علماً أنّه ينبغي أن يكونَ يوماً لمراقبة النفس بعد أيّام العبادة والطاعة في ضيافة الله تعالى، يرجو فيه العبدُ ربَّه بأن يكون من المحسنين الّذين أفاض عليهم بنعمة غفران الذنوب وكفران السيّئات، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثٍ طويل، يقول في ختامه: «... حتّى إذا طلع هلالُ شوّال، نُودِي المؤمنون أنِ اغدُوا إلى جوائزِكم، فهو يوم الجائزة»، ثمّ قال (عليه السلام): «أما والّذي نفسي بيدِه، ما هي بجائزةِ الدنانير ولا الدراهم»[4]، فما هي هذه الجائزة؟
حقيقة العيد المغفرة والقَبول
إنّ عيدَ الفطر هو يومٌ نُظهِر فيه الرغبةَ إلى اللهِ تعالى، يومٌ يتضرّعُ فيه الإنسانُ إلى الله ويتوجّهُ إليه، ويسألُه أن يمكّنَه من الاستفادة من فيضِه ومنِّه، عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّما جُعِل يومُ الفطر العيدَ، ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه، ويبرزون لله عزَّ وجلَّ، فيمجّدونه على ما مَنَّ عليهم، فيكون يومَ عيد، ويومَ اجتماع، ويومَ فطر، ويومَ زكاة، ويومَ رغبة، ويومَ تضرّع»[5].
وإنّ أهمَّ ما ينبغي أن يطلبَه المرءُ في هذا اليوم المبارك، فيكونَ فرحاً له، أمران:
1. قَبول الأعمال: أن يقبلَ اللهُ منّا ما كان من أعمالٍ وطاعة في الشهر الكريم، فقد بيّنَتِ الرواياتُ أنّه ثمّة أناسٌ لا يقبل اللهُ منهم أعمالَهم، ولا يكون لهم من صيامِهم سوى الجوع والعطش، ومن قيامِهم العناء والسهر، يقول أميرُ المؤمنين (عليه السلام): «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَه مِنْ صِيَامِه إِلَّا الْجُوعُ والظَّمَأُ، وكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَه مِنْ قِيَامِه إِلَّا السَّهَرُ والْعَنَاءُ، حَبَّذَا نَوْمُ الأَكْيَاسِ وإِفْطَارُهُمْ»[6].
إذاً، العيدُ فرحٌ لمَن قَبِل اللهُ عملَه، فيُثيبُه فيه، ولا يكون من الخاسرين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّه صِيَامَه وشَكَرَ قِيَامَه، وكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّه فِيه فَهُوَ عِيدٌ»[7].
2. المغفرة: فإنّها الهدفُ الأسمى والجائزةُ الأساس الّتي ينبغي للمسلم أن يسعى لكسبِها، وقد عَدَّ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) مَن لا يُدرك هذا الهدفَ مِن الأشقياء، والعيد فعلاً هو لمن غفر الله تعالى له ذنوبَه وآثامَه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يقول اللّهُ لملائكتِه يومَ العيد: ما جزاءُ الأجيرِ إذا عمل عملَه؟ فيقولون: يا ربَّنا، جزاؤه أن يُوفّى أجرُه، فيقول: اشهدوا ملائكتي أنّي غفرتُ لهم»[8]. وعن سويد بن غفلة، قال دخلتُ على أمير المؤمنين (عليه السلام) يومَ عيد، فإذا عنده فاثور[9] عليه خبز السمراء وصحفةٌ فيها خطيفة وملبنة[10]، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟! فقال: «إنّما هذا عيدُ مَن غُفِر له»[11].
أمورٌ ينبغي التنبّه إليها
ومن المهمّ في هذا اليوم المبارك أن يقرأ العاملون حقيقةَ العيد بملاحظة عدّة أمور، منها:
1. أنَّ العلاقةَ بين شهر رمضان ويوم العيد، كالعلاقة بين العمل وأثره، فعيد الفطر هو عيد لِمَن قَبِل الله صيامَه وشكرَ قيامَه، كما أشار أمير المؤمنين (عليه السلام).
2. أنَّ يومَ العيد محطّةٌ للمؤمنين، لينظروا في مستقبلِ أيّامهم وليستأنفوا العمل، عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): «واعلموا -عبادَ الله- أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديَهم ملكٌ في آخر يومٍ من شهر رمضان: أبشروا عبادَ الله! فقد غُفِر لكم ما سلف من ذنوبِكم، فانظروا كيف تكونون في ما تستأنفون»[12].
3. أنَّ عيدَ الفطر هو أشبه بيوم القيامة، إذ يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السلام)، فيقول: «أيّها الناس، إنَّ يومَّكم هذا يومٌ يُثابُ فيه المحسنون ويخسرُ فيه المبطلون، وهو أشبهُ يومٍ بيومِ قيامتِكم؛ فاذكروا بخروجِكم من منازلِكم إلى مصلّاكم خروجَكم منَ الأجداثِ إلى ربِّكم، واذكروا بوقوفِكم في مصلّاكم وقوفَكم بين يدَي ربِّكم، واذكروا برجوعِكم إلى منازلِكم رجوعَكم إلى منازلِكم في الجنّةِ أو النارِ»[13].
4. أنَّ يومَ العيد هو يوم الذكرِ لله سبحانه، وهو زينتُه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «زيّنوا العيدَين بالتهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ والتقديسِ»[14].
5. أن يكون هذا اليومُ المبارك يومَ تجديدِ البيعة لصاحب العصر والزمان والارتباطِ به، وإظهارِ الشوق لخروجه وظهوره الشريف، وقد ورد استحبابُ قراءةِ دعاء الندبة في هذا اليوم. عن عبد الله بن دينار، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «يا عبدَ الله، ما من عيدٍ للمسلمين، أضحى ولا فطر، إلّا وهو يُجدِّدُ لآل محمّدٍ فيه حزناً»، قلتُ: ولمَ ذاك؟ قال: «لأنّهم يرَونَ حقَّهم في يدِ غيرِهم»[15]، والإمام المهديُّ (عليه السلام) هو مُستنقذُ هذا الحقّ.
[1]ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص236.
[2]ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص319.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ص264
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص68.
[5] الشيخ الصدوق، مَن لا يحضره الفقيه، ج1، ص522.
[6]السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص495، الحكمة 145.
[7]المصدر نفسه، ص551، الحكمة 428.
[8] النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص352.
[9] الفاثور: الطست أو الخِوان، يُتّخذُ من رخامٍ ونحوه.
[10] الخطيفة: دقيق يُذَرُّ عليه اللبن، ثمّ يُطبَخ، والملبنة: الملعقة.
[11] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص368.
[12] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص160.
[13] المصدر نفسه.
[14] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج8، ص546.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص170.