الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في أوّل لقاء مع حكومة الدورة الرابعة عشرةسفرُ الوصولِ الى الله

العدد 1632 29 صفر 1446 هـ - الموافق 03 أيلول 2024 م

أفضل الهجرة

مراقباتإيثار أمير المؤمنين (عليه السلام)مراقباتخواصُّ الحقِّ والدنياالتبيينُ في ثورةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِ
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1624 03 محرم 1446 هـ - الموافق 09 تموز 2024 م

كربلاء، القدوة الصالحة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمّد وآله الطاهرين.

السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلَّت بفنائك، عليك منّي سلام الله أبداً ما بقيتُ وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتك، السلام على الحسين، وعلى عليّ بن الحسين، وعلى أصحاب الحسين.


إلى مولانا صاحب الزمان وصاحب العزاء (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء، في هذه الأيّام الأليمة، أيّام عاشوراء الحسين (عليه السلام)، سائلين المولى أن يرزقنا شفاعة الحسين يوم الورود، ويثبّت لنا قدمَ صدقٍ عنده مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام).
 
جمع الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه ليلة العاشر من المحرّم في كربلاء، وخطب فيهم، وكان ممّا جاء في كلامه (عليه السلام): «أمّا بعد، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَلَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي، وَلَا أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ وَلَا أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَجَزَاكُمُ اللَّهُ عَنِّي خَيْراً»[1].
 
إنَّ موضوع القدوة من المواضيع المهمّة جدّاً في حياة البشريّة، فالقدوة الحسنة والصالحة عاملٌ أساس، ودافع رئيس، ومحرِّك جوهريّ لارتقاء الإنسان بذاته نحو الكمال، فمهما كان المجتمع صالحاً، فلا بدّ من احتياجه للاقتداء بالنماذج الواقعيّة الحيَّة.

وإنّ أهمّ قدوة للإنسانيّة هم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وفي مقدّمهم الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، فقد اصطفاهم الله واختارهم من بين البشر ليكونوا قدوةً عمليّة للأمم؛ لأنّ من أهمّ جوانب دعوة الأنبياء (عليهم السلام) وأكثرها تأثيراً وفعاليّةً في عمليّة التزكية والهداية، هي الدعوة العمليّة. لذلك، عدّ علماء الإسلام العصمة شرطاً في مقام النبوّة، وإحدى أدلّتها وبراهينها هي أنّهم يجب أن يكونوا قدوةً وأسوةً للناس، يقول تعالى في سورة الأنعام بعد أن يذكر ثمانية عشر نبيّاً: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾[2].

نماذج كربلائيّة
ومن الملاحظ تنوّع القدوات في كربلاء، ففيها الإمام المعصوم (عليه السلام)، وهو القائد، وأهل بيته والرجال والشباب والنساء والأطفال والأبيض والأسود والفقير والغنيّ وصاحب الجاه ومن لا جاه له والمتزوّج والعازب... لقد كانت كربلاء مجتمعاً مقاوماً مصغّراً، فيها دروس لمجتمعنا المقاوم.

1. النموذج النسائيّ
لا شكّ في أنّ النموذج الأبرز للقدوة من النساء كانت السيّدة زينب (عليها السلام)، ولكن أيضاً ثمّة نماذج عديدة آثرت وأبلت بلاءً حسناً، فكانت أهلاً للقدوة، نذكر منها:

أمّ وهب: الّتي أخذَت عموداً، ثمَّ أقبلَتْ نحوَ زوجِها عبد الله بن عمير، وهو يُقاتل وقد قُطِعَت أصابع كفّه اليسرى، تقول له: فداكَ أبي وأمّي! قاتِلْ دون الطيّبين ذرّيّة محمّد، فأقبل إليها يَردُّها نحو النساء، فأخذَت تُجاذِبُ ثوبَه، ثمّ قالت: إنّي لن أدعكَ دون أن أموت معك، فناداها الإمام الحسينُ (عليه السلام)، فقال: «جُزيتُم مِن أهل بيتٍ خَيراً، ارجعي -رَحمكِ اللهُ- إلى النساء، فاجلسي معهنّ، فإنّهُ ليس على النساء قِتالٌ»[3]، فانصرفَتْ إليهنّ.

ولمّا قُتِل (رِضوانُ الله عليه)، خرجَتْ تمشي إلى مصرعه، وجلسَتْ عند رأسه، تمسح الدم والتراب عنه، وتقول: هنيئاً لك الجنّة، أسأل الله الّذي رزقكَ الجنّة أن يَصحَبَني معك. فقال الشمر لغلامه رستُم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها بالعمود فشدَخَهُ، فقضَتْ شهيدةً (رِضوانُ الله عليها).

2. النموذج الرجاليّ
وفي النموذج الرجاليّ ثمّة العديد ممّن كانوا أهلاً للقدوة الصالحة، نذكر منهم:

زهير بن القين قدوة المهتدين‏
كان زهير بن القين قد سافر مع عائلته لأداء فريضة الحجّ، ثمّ أقبل من مكّة يريد الكوفة، وسار حتّى انتهى إلى زرود[4]، وضرب فسطاطه[5] هناك، فأرسل إليه الإمام الحسين (عليه السلام) له أن «ألقِني أكلّمك»، فأبى أن يلقاه. وكانت مع زهير زوجته، فقالت له: سبحان الله، يبعث إليك ابن رسول الله، فلا تجيبه؟! فقام يمشي إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، فلم يلبث أنِ انصرَف، وقد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه فقُلِع... ثمّ قال لامرأته: ... تقدّمي مع أخيك حتّى تَصِلي إلى منزلك؛ فإنّي قد وطّنتُ نفسي على الموت مع الحسين (عليه السلام)[6].

الحرّ بن يزيد الرياحيّ قدوة التائبين
وهو من العائلات العراقيّة المشهورة، ومن كبار أهل الكوفة. دعاه ابن زياد لقتال الإمام الحسين (عليه السلام)، وولّاه قيادة ألف فارس. وقد رُوي عنه أنّه قال: لمّا خرجتُ من منزلي متوجِّهاً نحو الإمام الحسين (عليه السلام)، نودِيتُ ثلاثاً: يا حرّ، أبشر بالجنّة، فالتفتُّ فلم أرَ أحداً، فقلتُ: ثكلَتِ الحرَّ أمُّه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويُبشَّر بالجنّة[7]!

ثمّ لحِق بالإمام الحسين (عليه السلام) عند صلاة الظهر، فأمر الإمام الحسين (عليه السلام) ابنَه، فأذّن وأقام، وقام الإمام الحسين (عليه السلام) فصلّى بالفريقين جميعاً، فلمّا سلّم، وثب الحرّ بن يزيد، فقال: السلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال الإمام الحسين (عليه السلام): «وعليك السلام، مَن أنت يا عبد الله؟»، فقال: أنا الحرّ بن يزيد. فقال: «يا حرّ، أعلينا أم لنا؟»، فقال الحرّ: والله يابن رسول الله، لقد بُعِثتُ لقتالك[8].

لكنّه يوم العاشر، لمّا رأى أنّ القوم قد صمّموا على قتال الإمام الحسين (عليه السلام)، قال لعُمَرَ بنِ سعدٍ: أَمُقاتِلٌ أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله، قِتالاً أيْسَرُهُ أن تسقط فيه الرؤوسُ وتَطيح الأيدي.

فتركهُ الحرّ، وأخذ يدنو من الإمام الحسين (عليه السلام) قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تَحمِلَ؟ فسكتَ، وأخذَتْه الرعدة[9]!

فقال له المهاجر: إنّ أمرَك لَمُريبٌ! والله، ما رأيت منك في موقفٍ قَطّ مثلَ هذا، ولو قيل لي: مَن أشجعُ أهل الكوفة؟ لما عَدَوْتُك، فما هذا الّذي أرى منك؟! فقال الحرّ: إنّي واللهِ أُخيِّر نفسي بين الجنّة والنار، ولا أختار على الجنّة شيئاً، ولو قُطِّعتُ وحُرِّقتُ. ثمّ ضربَ فَرَسَهُ، قاصداً إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، مُنكِّساً رمحَه، قالباً تِرسَه، مُطأطِئاً رأسَه، حياءً من آل الرسول، وهو يقول: اللهمّ إليك أُنيب، فتُبْ عليّ، فقد أرعبْتُ قُلوبَ أوليائك وأولاد بنت نبيّك! ثمّ قال: جَعَلنِيَ اللهُ فداك يابن رسول الله... أنا صاحبكَ الّذي حبَستُكَ عن الرجوع، وسايَرْتُكَ في الطريق، وجعْجَعْتُ[10] بك في هذا المكان... وإنّي قد جئتُكَ تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومُواسياً لك بنفسي، حتّى أموت بين يدَيك، فهل لي من توبةٍ؟ فقال (عليه السلام): «نعَمْ، يَتُوبُ اللهُ عليكَ ويغَفِرُ لكَ...» [11].

ولمّا استشهد (رضوان الله عليه) حمَلَهُ الأصحاب، ووضعُوهُ بين يدَي الإمام الحسين (عليه السلام)، وبه رَمَقٌ، فجعل يمسح وجهَه، ويقول: «أنتَ الحرُّ كما سمَّتْكَ أمُّكَ، وأنتَ الحرُّ في الدُّنيا، وأنتَ الحرُّ في الآخرةِ»[12].

3. نموذج الفتيان

عبد الله بن الحسن
مضافاً إلى القاسم بن الحسن وعَمرو بن جنادة الأنصاريّ، خرج عبد الله بن الإمام المجتبى (عليه السلام)، وهو غلام لم يُراهِق. لمّا أُثخِن الإمام (عليه السلام) بالجراح، والقوم يهجمون عليه من كلّ حدبٍ وصوب، أقبل عبد الله يَشْتَدّ نحو عمّه الإمام الحسين (عليه السلام)، فلحِقتْهُ السيّدة زينبُ (عليها السلام) لتحبسَه، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: لا والله، لا أفارق عمّي، فأهوى بحر بن كَعبٍ بالسيف ليضرِبَ الإمام الحسين (عليه السلام)، فصاح الغلام: ويلكَ يابن الخبيثة، أتقتل عمّي؟! واتّقاها الغلام بيدهِ، فأطنَّها[13] إلى الجلد، فإذا هي مُعَلَّقةٌ، فصاح الغلام: يا عمّاه! فأخذه الإمام الحسين (عليه السلام)، وضمّه إلى صدره، وقال: «يابن أخي، اصبر على ما نزل بك، واحتسِبْ في ذلك الخيرَ، فإنّ الله تعالى يُلحِقُكَ بآبائك الصالحين، برسول اللّه وعليّ بن أبي طالب وحمزة والحسن بن عليّ صلّى اللّه عليهم أجمعين»[14]. فرماهُ حرملة بن كاهلٍ الأسَديّ بسهمٍ، فذبحه، وهو في حجر عمّه.

أصحاب الحسين أهل البصائر
إنّ عاشوراء محطّة سنويّة مهمّة، نستلهم من نماذجها دروساً في الجهاد والمقاومة، ولئن كان الإخلاصُ هو معيار المواقف المتفوِّقة، لكانت كربلاء في الصدارة. ولئن كانت الآثار العمليّة هي المقياس، لكانت كربلاء في المقدِّمة. ولئن كانت المواقف تُوزَن بخلودها وبقائها، لكانت كربلاء في الطليعة.

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في زيارة أصحاب الإمام الحسين (عليهم السلام): «أَنْتُمْ سَادَةُ الشُّهَدَاءِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»[15]. وكفاهم قولُ سيّد الشهداء (عليه السلام) في حقّهم: «فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَلَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي»[16].
ولم يكن يخفى فضلُ هؤلاء ومناقبهم، حتّى على أعدائهم؛ ففي يوم العاشر من المحرّم، جاء وصف أصحاب الحسين (عليهم السلام) على لسان عمرو بن الحجّاج، عندما صاح بالناس: «يا حمقى! أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين...» [17].

لقد كانت عظَمةُ مواقف رساليّي كربلاء نابعةً مِن أنّها، مضافاً إلى العاطفة الجيّاشة الدافعة لاتّخاذها، مرتكِزةٌ على أصولٍ نظريّةٍ قطعيّةٍ، ترى أنّ الطاعة لوليّ الأمر وبذل الأرواح معه هما الطريق الوحيد لحفظ الإسلام والدين. لذلك، رفضوا أيَّ أمانٍ قد يحفظ حياتهم، وتعالَوا على أيِّ خوفٍ يمنعهم من مواصلة الطريق.

لقد أظهروا مواقف متفانيةً مع القضيّة وصاحبها، قَصُرَت كلماتُها عن حصْر ثمار مضمونها، نذكر منها موقفَين عزيزَين؛ أحدهما موقف سعيد بن عبد الله الحنفيّ، الّذي صرّح قائلاً: «ولو علمتُ أنّي أُقتَل فيك، ثمّ أحيا، ثمّ أُذرّى، يُفعَلُ ذلك بي سبعين مرّةً، ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَك»[18]، وكذا موقف زهير بن القين المتفاني، إذ يقول: «واللهِ، لَوَدَدْتُ أنّي قُتِلتُ، ثمّ نُشِرتُ، ثمّ قُتِلتُ، حتّى أُقتَل كذلك ألفَ قتلةٍ، وإنّ اللهَ يدفع بذلك القتلِ عن نفسِك وعن أنفسِ هؤلاء الفتية مِن أهلِ بيتِك»[19].


[1] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص91.
[2] سورة الأنعام، الآية 90.
[3] أبو مخنف الكوفيّ،‏ وقعة الطفّ، ص219.
[4] موضع بطريق مكّة.
[5] الخيمة - بيت من الشعر.
[6] ابن قتيبة الدنيوريّ، الأخبار الطوال، ص246.
[7] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص218.
[8] المصدر نفسه.
[9] الرّعدة: الرّعشة.
[10] الجعجعة: المنع والحبس.
[11] راجع: أبو مخنف الكوفيّ،‏ وقعة الطفّ، ص215.
[12] الحسينيّ الموسويّ، تسلية المجالس وزينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)، ج‏2، ص282.
[13] أطنّها: قطعها.
[14] راجع: أبو مخنف الكوفيّ،‏ وقعة الطفّ، ص254.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص574.
[16] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص91.
[17] المصدر نفسه، ج2، ص103.
[18] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص92.
[19] أبو مخنف الأزديّ، مقتل الحسين (عليه السلام)، ص115.

09-07-2024 | 13-23 د | 468 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net