الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
الخطاب الثقافي التبليغي رقم (21): يا مولانا يا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) الخطاب الثقافي التبليغي رقم (20): غيرة اهل الايمان الخطاب الثقافي التبليغي رقم (19): إن مع التضحية نصراً الخطاب الثقافي التبليغي رقم (18): هيهات منّا الذلّةالخطاب الثقافي التبليغي رقم (17): ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ

العدد 1639 19 ربيع الثاني 1446 هـ - الموافق 23 تشرين الأول 2024 م

التضحية في سبيل الله

القتال من أجل الأهداف الإلهيّةمراقباتالوحدة تعني التأكيد على المشتركات«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

محاور الخطبة
- أثر الإيمان والتوحيد على حياة الإنسان
- كيف يترجم الإيمان بالله عند البلاء؟
- الأمان والاطمئنان في الإيمان
- التوحيد الإلهيّ، مصدر القوّة
- ألا يحتاج الصبر إلى مقدّمات؟

مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾[1].
أثر الإيمان والتوحيد على حياة الإنسان

أيّها الأحبّة،
إنّ للإيمان بالله وتوحيده أثاراً بالغة على شخصيّة الإنسان وسلوكه، وعلى بناء نظرته في هذه الحياة الدّنيا، سواء أكان من الناحية الأخلاقيّة أم النفسيّة أم السلوكيّة؛ وذلك أنّ الله -تعالى- مالك هذا الوجود بجميع ما فيه من مخلوقات، وهو مصدر القوّة والقدرة التي يتحرّك من خلالها الإنسان في هذه الحياة. ولنا أن نقول: لولا قدرة الله وقوّته لكان الإنسان جثّة هامدة لا حركة فيها.

وإنّ أثر الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده يسري إلى كلّ مفاصل حياة من أحداث وبلاءات ومصائب، وفي هذا الأمر يختلف المؤمن عن غيره.

فالمؤمن بالله -تعالى-، إنّما يُرجع أموره جميعاً إليه -سبحانه-، فهو -حسب اعتقاده- الخالق والمقدّر والمحرّك لكلّ ما في هذا الكون، وهذا في حقيقة الأمر ترجمة فعلية لآية الاسترجاع آنفة الذكر، حيث يقول فيها الله -سبحانه-: ﴿إنّا لله وإنّا إليه راجعون﴾؛ وهي تعني أنّ كلّ ما يتعلّق بالإنسان إنّما يرجع إلى الله، يرجع إلى قدرته وقوّته وسلطته، وأنّه لا شيء يتحرّك دون إذنه -عزّ وجلّ-، ومن ذلك ما يُقدّر على الإنسان من مصائب وبلاءات، حيث إنّها أيضاً ترجع إلى مشيئة الله وإرادته.

كيف يترجم الإيمان بالله عند البلاء؟
إنّ الإيمان بالله -سبحانه- وتوحيده، يتجسّدان في حالات الألم والمصائب، كما في حالات الراحة والرفاهية والسلامة.

فيترجم في مثل حالات الرفاهية والسلامة بأن يلتزم المرء بعبادة الله -تعالى-، ولا ينحرف عن جادّة الصواب والاستقامة، فلا يغترّ بالسلامة التي هو فيها ولا بالمال الذي يستغني به عن الآخرين؛ فإنّ ذلك كلّه آيل للذهاب والفناء.

وقد قال في ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرّهبة»[2]، فإنّ بعض الناس ينسون ذكر الله حال الرخاء، ولا يذكرونه إلّا في حالات الشدّة والخوف والحاجة.

وإنّ الإيمان يترجم في مثل المصائب والبلاءات، من خلال التسليم والخضوع لما يقدرّه ويقضيه، فلا يجزع الإنسان حينها ولا يعترض؛ ذلك أنّ ما يقدرّه الله ويقضي به، إنّما يصبّ في مصلحة الإنسان التي ربّما تخفى عنه حكمته، بل إنّ الإيمان الحقيقي، يحتّم على الإنسان أن لا يناقش فيما يصاب به من أمور، بل يسلّم تسليماً مطلقاً. وقد روي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دخل على الأنصار، فقال: «أمؤمنون أنتم؟» فسكتوا، فقال رجل: نعم، يا رسول الله، فقال: «وما علامة إيمانكم؟» فقالوا: نشكر على الرخاء، ونصبر على البلاء، ونرضى بالقضاء، فقال: «مؤمنون وربّ الكعبة»[3].

وفي الجهة المقابلة، نرى أولئك الذين لم يثبت الإيمان في قلوبهم، ولم يدركوا حقيقة توحيد الله -تعالى-، يتزلزلون في مواقف الحزن والألم والمصائب، فيصل حال بعضهم إلى التذمّر من حكم الله، وقد يتطوّر الحال ببعضهم الآخر إلى الارتداد عن الدين، وما شابه ذلك من ردّات فعل تُظهر مدى ضعف إيمانهم بالله وعدم توكّلهم وتسليمهم لأمره، فمثل هؤلاء مصداق لقوله -تعالى-: ﴿مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾[4].

الأمان والاطمئنان في الإيمان
ذكر الله -عزّ وجلّ- العديد من الآيات المباركة التي تشير إلى أثر التوحيد والإيمان بالله -تعالى- في ثبات قلب الإنسان واطمئنانه، وكذلك في شعوره بالأمن والأمان، كما في قوله -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[5].

وكذلك قوله - سبحانه-: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[6].

فنجد أنّ الإيمان بالله -تعالى-، مصدر من مصادر الأمن لهذا القلب، ومن البديهيّ أن يكون زوال الإيمان هذا سبباً رئيسيّاً من أسباب الخوف والقلق والاضطراب لديه؛ وذلك لأنّه قطع قلبه عن الركون إلى تلك القوّة الغيبيّة الإلهيّة التي تمدّه بالأمل والعنفوان.

التوحيد الإلهيّ، مصدر القوّة
لا بدّ هنا أن نذكر -ولو بعجالة- أنّ توحيد الله -تعالى- يضفي على الإنسان الكثير من المنافع والآثار.

ومنها أنّه يُحرّره من التبعيّة لأمثاله من البشر الضعفاء والفقراء إلى الله، وهو القائل -سبحانه-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[7]، فتكون تبعيّته لله الواحد الأحد الذي يحمل من صفات الجمال والجلال ما لا يحمله غيره -سبحانه-.

فإذا كان كذلك، فإنّ توحيد الله يجعله في حالة من الشعور بالقوّة، فلا يهاب حينئذٍ شيئاً، ولا يقع في مغبّة المخاوف والهواجس التي تؤرّق له صفو حياته وعيشه.

وكذلك يحرّره من الروابط الشهوانيّة والوهميّة والدنيويّة الزائلة، فلا يجد الدنيا مكاناً للركون والاطمئنان؛ ما يجعل نظره إليها نظرة المودّع لها غير المكترث لما فيها من شهوات، وهذا ما يهوّن عليه خطب الملمّات والمصائب إذا ما ألمّت به؛ وذلك أنّ له ملاذاً يلجأ إليه، فيرجعها إليه ويحتسبها عنده، ألا وهو الله -سبحانه-.

فكيف إذا كانت تلك المصائب في سبيل الله -سبحانه-؟

فحينها لا ريب في أنّ توحيد الله سيكون طريقاً من طرق الثبات والقوّة والصلابة.

صبر السيّدة زينب (عليها السلام)
أيّها الأحبّة،
الجميع يعلم مدى الصبر الذي تحلّت به السيّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام)، فيما حلّ بأخيها أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، فقد عُرف عنها أنّها كانت صلبة وصابرة، لم تزلزلها تلك المصائب التي رأتها بأمّ عينيها، ولم تأخذ بها إلى الضعف والوهن، إنّما وقفت صامدة وبقوّة، حتّى أمام أولئك العتاة الظلمة.

والسؤال هنا: ما الذي جعلها بتلك القوّة والصلابة؟

الجواب هو في ذاك الإيمان الذي تشرّبه قلبها وعقلها، حتّى برزت آثاره في مثل تلك المصائب الأليمة التي حلّت بها.

فإيمانها بالله -تعالى-، وتوحيدها العميق له -عزّ وجلّ-، هو الدافع الأساس لتكوين تلك الشخصيّة العظيمة التي اتّصفت بها (عليها الصلاة والسلام).

وبذلك ندرك مغزى تلك الكلمات التي تكلّمت بها خلال واقعة الطفّ الأليمة وعقبها، ومنها مقولتها الشهيرة: «ما رأيت إلّا جميلاً!»[8].

فمع كلّ ما حلّ بها من آلام، فقد أعلنت قائلةً أنّها ما رأت إلّا جميلاً، فما ذاك الجمال الذي رأته؟ وما سرّه؟

إنّه في توحيدها لله، واحتساب ما ابتُليت به عنده -سبحانه-.

 فالمؤمن الموحّد لله -عزّ وجلّ-، إنّما يُرجع ما يصيبه إليه -تعالى-؛ الأمر الذي يهّون عليه خطب المُصاب والبلاء، وإنْ كان قاسياً وأليماً للغاية.

ويكون ما في رضا الله بنظره جميلاً، وإنْ كان ظاهره سيّئاً وقبيحاً.

وهنا يكمن سرّ صبر السيّدة زينب (عليها الصلاة والسلام).

ألا يحتاج الصبر إلى مقدّمات؟
لا بدّ هنا من الإشارة إلى مسألة هامّة، وهي أنّ ذاك الصبر الذي تحلّت به السيّدة زينب (عليها السلام) لم يأتِ فجأة ودون مقدّمات، إنّما كان عبر أيّام وسنين سبقت تلك الحادثة الأليمة، والتي عمدت فيها السيّدة زينب إلى تربية نفسها وترويضها على الصفات الجليلة التي ينبغي للمؤمن أن يتحلّى بها من ذكرٍ لله -تعالى- وتوكّل عليه، وتثبيت للقيم العقائديّة الرفيعة، والتي تزيد من قوّة إيمان المرء بربّه.

فإنّ كل هذا هو ما جعل السيّدة زينب تتلقّف ما جرى معها في عاشوراء بكلّ ذاك الصبر والتسليم لأمر الله.

وهذا يعني، أنّ على المرء دوماً أن يجهد في تثبيت معالم الإيمان الحقيقيّ والتوحيد الحقيقيّ في قلبه وعقله.


[1]  سورة البقرة، الآيات 155- 157.
[2]  نهج البلاغة، ص 71.
[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 79، ص 137.
[4]  سورة الحجّ، الآية 11.
[5]  سورة الرعد، الآية 28.
[6]  سورة الأنعام، الآية 82.
[7]  سورة فاطر، الآية 15.
[8]  إبن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص 71.

26-09-2024 | 14-31 د | 327 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net