محاور الموضوع الرئيسة:
- مكانة الجار في الإسلام
- حسن الجوار وحرمة إيذاءه
- حق الجار في رسالة الحقوق
الهدف:
التعرّف على حقوق الجيران في الإسلام وفق رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام.
تصدير الموضوع:
أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته بمراعاة حق الجوار فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "مازال جبرائيل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه"1.
1- مكانة الجار
الجار هو من يسكن في الجوار، سواء أكان قريباً من حيث الصلة الرحمية، أو كان من إتباع الديانة نفسها، أو كان من أتباع الرسالات السماوية الأخرى، أو غير ذلك، فلا علاقة لمعتقداته وآرائه بانطباق عنوان الجار عليه. ولا يُصنَّف على أساس المعرفة القديمة أو الحديثة الناشئة عن السكن في الجوار. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن حد الجوار، قال: "أربعون داراً" 2. وقال عليعليه السلام: "حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانب" 3.
وقد بلغ اهتمام الإسلام بالجار حداً جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحرّم إيذاءه فعنه صلى الله عليه وآله وسلم:"من آذى جاره حرَّم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير"4.
وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل المدينة: "إنّ الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وحرمة الجار على الجار كحرمة أُمّه" 5.
واعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إكرام الجار من علامات الإيمان فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"6.
2- حسن الجوار
إنّ حسن الجوار من الأوامر الإلهية، كما قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: " عليكم بحسن الجوار، فإنّ الله عزَّ وجلَّ أمر بذلك" 7.
وحسن الجوار ليس كف الأذى فحسب، وإنّما هو الصبر على الأذى من أجل إدامة العلاقات، وعدم حدوث القطيعة، قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: " ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى "8.
وحثّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام على حسن الجوار لما فيه من تأثيرات إيجابية واقعية تعود بالنفع على المحسن لجاره، فقال: " حسن الجوار يعمّر الديار"9.
3- إياكم وسوء معاملة الجار والاعتداء عليه
لقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه " لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه "10، فنادوا بها ثلاثاً، ثم أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.
والاعتداء على الجار موجب للحرمان من الجنة، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: " من كان مؤذياً لجاره من غير حقّ، حرمه الله ريح الجنة، ومأواه النار، ألا وإن الله عزَّ وجلَّ يسأل الرجل عن حق جاره، ومن ضيّع حق جاره فليس منّا "11.
فمن يطّلع على بيت جاره ويتطلّب عوراته يحشر مع المنافقين يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله ويبدي عورته للناس في الآخرة"12.
4- حق الجار في رسالة الحقوق
وضع الإمام علي بن الحسين عليه السلام في رسالة الحقوق منهجاً شاملاً للتعامل مع الجيران، مؤكّداً فيه على تعميق أواصر الإخوة والإيثار، وصولاً إلى تحقيق أسمى درجات التكامل فقال عليه السلام:
أ - نصرته ومعونته: " وأمَّا حقُّ الجار: فحفظُه غائباً، وكرامتُه شاهداً، ونصرتُه ومعونتُه في الحالين جميعاً وذلك بحفظ بيته وماله وأسراره، وحفظ غيبته في المجالس التي تنعقد بين الجيران والأصحاب.
ب - ستر العورات والعترات: ثم أضافعليه السلام: لا تتبع له عورة، ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلُّف، كُنتَ لما علمتَ حصناً حصيناً وستراً ستيراً، لو بحثتْ الأسنةُ عنه ضميراً لم تتصل إليه لانطوائه عليه.
فلكل إنسان أسراره وعيوبه، فلا يصح من الجار تتبع عثرات جاره، وهذا بلاء كبير منتشر في مجتمعاتنا، حيث الرغبة في كشف أسرار الآخرين ومعرفة عيوبهم والإطلاع على خصوصياتهم، فهذا مرض اجتماعي ونفسي وأخلاقي يهدم المجتمع، وقد حرمته الشريعة الإسلامية، لأنه فضح أسرار الناس الذين يعيشون مع بعضهم البعض من المحرمات ويرون بعضهم يومياً، وكيف تستقيم علاقة الجوار في إطار عدم المحافظة على أسرار وسوءات وعيوب الجيران؟
ج - المعاشرة الكريمة: ويضيف الإمام عليه السلام مجموعة من المبادىء التي تجسّد الحياة والمعاشرة الكريمة مع الجار فقالعليه السلام: "لا تستمع عليه من حيث لا يعلم"، فهذا تجسس محرم- "لا تسلمه عند شديدة"، لأنَّه بحاجة إلى مساعدتك ومساندتك ونصرتك، فكن إلى جانبه بقدر استطاعتك، فسيترك موقفك أثراً كبيراً في نفسه بوقوفك معه عند الشدائد.
- "ولا تحسده عند النعمة"، فالحسد تمنٍ لحصولك على نعمة أنعمها الله عليه بحرمانه منها، وهذه نظرة ضيقة وجاحدة، فالله هو المنعم. "تقيل عثرته وتغفر زلَّته"، فكل بني آدم خطَّاء، لذا كن رحيماً بجارك يرحمك الله تعالى، فأقِل عثرته إذا تعثَّر وكن سنداً له في ذلك، واغفر زلته إذا أخطأ وأساء، وأعطه الفرصة ليتعظ ويعود إلى رشده، وإلاَّ لن تبقى علاقة بين اثنين إذا حاسب أحدهما الآخر وعاداه على كل خطأ يرتكبه.
- "ولا تدَّخر حلمك عنه إذا جهل عليك"، فإن بإمكانك استيعابه بحلمك، ويمكن أن تخسر علاقتك معه بغضبك عليه، ولو كان مسؤولاً بسبب تصرفه الجاهل، فله عليك أن تعينه على نفسه، وأن تكون حليماً عند الغضب.
- "ولا تُحرَّج أن تكون سلماً له"، بحيث يشعر بالاطمئنان معك، لشعوره بالسلام بجانبك، في حضوره وغيابه.
- "تردُّ عنه لسان الشتيمة"، فلا ترض أن يشتم بحضرتك، "وتبطل فيه كيدَ حامل النصيحة"، فلا ترضَ أن تكون النصيحة سبباً للكيد والضرر والأذية، "وتعاشره معاشرة كريمة"، فتكون علاقتك معه مطبوعة بالعِشرة الحسنة، وهي خلاصة السلوك العام المأمول من الجار مع جاره.
1-بحار الأنوار 74: 94.
2-السنن الكبرى للبيقهي،ج6 ص276.
3-روضة الواعظين للفتال النيسابوري –ص 336.
4-من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق-ج4 ص 13.
5-الكافي 2: 666.
6-المحجة البيضاء 3: 422.
7-بحار الأنوار 74: 150.
8-تحف العقول: 306.
9-ويزيد في الأعمار الكافي 2: 667.
10-الكافي 2: 666
11-بحار الأنوار 76: 362.
12-بحار الأنوار 76: 361.