محاور الموضوع الرئيسة:
- أهمية محاسبة النفس والحث عليها.
- كيفية المحاسبة.
- أهم ما تجب المحاسبة عليه.
الهدف:
التعرّف على أهمية محاسبة النفس في الإسلام، وآثارها على تربيتها وتهذيبها.
تصدير الموضوع:
قال رسول الله: "لا يكون العبد كؤمناً حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده" 1.
أهمية محاسبة النفس
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾2 .
المحاسبة هي: محاسبة النفس كل يوم عمّا عملته من الطاعات والخيرات، أو اقترفته من المخالفات والمعاصي والآثام، فان رجحت كفة الطاعات على المعاصي، والحسنات على السيئات، فعلى المحاسب أن يشكر الله تعالى على ما وفقه إليه وشرّفه به من طاعته وشرف رضاه. وان رجحت المعاصي، فعليه أن يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة الله تعالى، وفي كلا الحالتين يجب تأنيب النفس على كل مخالفة وتقصير.
محاسبة النفس واجبة على الجميع
لا تنحصر محاسبة النفس بشريحة الذين يمارسون الرياضة الروحية أو السالكين، بل هي تشمل جميع الناس حتى الناس العاديين فالقرآن يدعو إلى محاسبة النفس ولم يحصر دعوته بفئةٍ معينة من الناس، إنه يخاطب الذين آمنوا كافة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، وتجهّزوا للعرض الأكبر" 3، وهل الحساب في عالم الآخرة ينحصر بأهل الرياضة الروحية وأرباب السلوك؟ كلاً إن الحساب يشمل الجميع.
يقول أحد علماء الأخلاق: إن العظماء من السلف الصالح كانوا يعتقدون بأن من لا يحاسب نفسه هو إما ملحد باليوم الآخر والمعاد أو أنه مجنون وإلا فكيف لمن يحمل في رأسه عقلاً سليماً وهو يؤمن بالقرآن كتاباً من عند الله ينادي: من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، ثم لا يحاسب نفسه ويراقب ما يرسله من الأعمال إلى ذلك العالم حيث يلتقيها هناك.
الحث على محاسبة النفس
لمحاسبة النفس أهمية كبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومن ثم اهتمامه بالتزوّد من أعمال البر والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.
لذلك كثرت النصوص التي تحرّض على المحاسبة بأساليبها الحكيمة البليغة:
- محاسبة النفس: قال الإمام الصادق عليه السلام: " فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها، فإن للقيامة خمسين موقفاً كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا" في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"4.
- المحاسبة اليومية: وقال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى، وإن عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب إليه" 5.
- وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إبن إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك"6 .
كيفية المحاسبة
يقول أمير المؤمنينعليه السلام: "وقد سئل عن كيفية محاسبة النفس: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه، وقال: يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً والله سائلك عنه في ما أفنيته، فما الذي عملت فيه، أذكرت الله أم حمدته، أقضيت حق أخ مؤمن.فيذكر ما كان منه فان ذكر أنه جرى منه خير حمد الله عزوجل...وإن ذكر معصية أو تقصيراً استغفر الله عزوجل وعزم على ترك معاودته"7 .
أهم ما يجب محاسبة النفس عليه
- أداء الفرائض: أول ما يجدر محاسبة النفس عليه أداء الفرائض التي أوجبها الله تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها من الفرائض.
- فعل الذنوب والآثام: محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك: بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على ما فرط من سيئاتها، ثم الاجتهاد بملافاة ذلك بالندم عليه والتوبة الصادقة منه. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرفع مثل لمحاسبة النفس، والتحذير من صغائر الذنوب ومحقراتها: قال الصادق عليه السلام: "إن رسول الله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: إئتونا بحطب. فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كل إنسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هكذا تجتمع الذنوب.ثم قال: "إياكم والمحقرات من الذنوب، فإن لكل شيء طالباً، ألا وانّ طالبها يكتب: ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ 8.
وكان بعض الأولياء يحاسب نفسه بأسلوب يستثير الدهشة والإكبار من ذلك ما نقل عن توبة بن الصمة، وكان محاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره، فإذا هو ستون سنة، فحسب أيامها فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فقال: ياويلتاه!!، ألقى مالكاً بإحدى وعشرين ألف ذنب، ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه .
عدم تضييع فرصة العمر
يجب محاسبة النفس دائما على عدم تضييع فرصة العمر التي من الله تعالى بها عليه، لأنه لو وازن الإنسان بين جميع مُتع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، فالعمر هو الوقت المحدد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم "ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" .
كما يستحيل استرداد ما تصرم من العمر، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.
من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت موضحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.
- قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأبي ذر: "يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك" 9.
- وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحل فيه.أما اليوم الماضي فحكيم مُؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأمّا غد فإنما في يديك منه الأمل" 10.
- وقال عليه السلام: "ما من يوم يمر على ابن آدم، إلا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعد هذا أبداً" 11.
- وروي أنه جاء رجل الى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو اليه حاله، فقال: "مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا: فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية: انه يستوفي رزقه، فان كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وان كان حراماً عوقب.
قال: والثالثة أعظم من ذلك. قيل: وما هي؟ قال: "ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة، لا يدري على جنة أم على نار"12 .
1-البحار ، 70،22.
2-الحشر:18.
3-البحار، 70،26.
4-أمالي المفيد، 329،1.
5-الاختصاص، 26.
6-تحف العقول، 280.
7-البحار، 70،16.
8-دعائم الاسلام، ج1، ص169.
9-ميزان الحكمة، ج5، ص2112.
10-بحار الأنوار،ج70،ص111.
11-الكافي، ج2، ص523.
12-بحار الأنوار، ج75، ص160.