محاور الموضوع ألرئيسة:
- التدابير النبوية لإتقاء الفتن.
- منع الاختلاف على الخلافة.
- بيان المقام المعنوي لأهل البيت عليهم السلام.
الهدف:
هو تنزيه الله ورسوله عن ترك الأمة نهباً للفتن بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبيان الحكمة النبوية والإلهية في التدابير التي قام بها صلى الله عليه وآله وسلم.
تصدير الموضوع:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.
التدابير النبوية لإتقاء الفتن
عند نهاية العام التاسع للهجرة النبوية الشريفة وقرب رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نهايتها، ركّز صلى الله عليه وآله وسلم جهوده مؤيداً بالوحي الإلهي، في سبيل تخليص الأمة من عوامل الفتنة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف قام صلى الله عليه وآله وسلم بوضع خطة سديدة، وقد نفذها على مدى ستة عشر شهراً، ومن الإجراءات التي قام صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذها:
أولاً: إعلان البراءة من المشركين في الحج.
حيث أراد من خلال ذلك استئصال كل معالم الشرك من مكة المكرمة ومن مراسم الحج. إذ إنه "استدعى علياً عليه السلام، ثم قال: اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ براءة (سورة براءة) من يده، وامض بها إلى مكة وانبذ بها عهد المشركين إليهم. أي: إقرأ على الناس الوافدين إلى منى من شتى أنحاء الجزيرة العربية براءة، وبلغهم النقاط الأربع التالية:
1- أن لا يدخل المسجد مشركٌ.
2- أن لا يطوف بالبيت عريان.
3- أن لا يحج بعد العام مشرك.
4- أنّ من كان له عند رسول الله من المشركين عهد فهو له إلى مدّته، ومن لم يكن له عهد ومدّةٌ من المشركين فإلى أربعة أشهر. فإن أخذناه بعد أربعة أشهر قتلناه، وذلك من العاشر من ذي الحجة.
ثانياً: منع الاختلاف على خلافته:
وفي سبيل تحقق هذا الأمر، قام صلى الله عليه وآله وسلم بما يلي:
1- تنصيب أمير المؤمنين علياً عليه السلام في غدير خم يوم الخميس في الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام في العام العاشر للهجرة. وقد أعلن صلى الله عليه وآله وسلم أنّ ذلك كان امتثالاً للأمر الإلهي الشريف: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾.
وبيّن بعد انتهاء التنصيب ومراسم البيعة أنّ في ذلك إكمالاً للدين وإتماماً للنعمة ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾.
2- بيان المقام المعنوي لأهل البيت عليهم السلام:
حيث عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على استثمار مشاعر المسلمين اتجاهه، وتقديرهم وتقديسهم لشخصيته العظيمة، من أجل تحصين بيت الخلافة بكل أفراده من مشاعر الحسد والعداء، مؤيِّداً ذلك بالوحي الإلهي في جملة من المواضع، نذكر منها قوله تعالى:﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. ومنها ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾.
كذلك إنه صلى الله عليه وآله وسلم اختار من المسلمين للمباهلة أربعة أشخاص فقط... وهؤلاء الأربعة لم يكونوا سوى علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن والحسين. لأنه لم يكن بين المسلمين من هو أطهر منهم نفوساً، ولا أقوى وأعمق إيماناً.
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج (يوم المباهلة) وعليه مرط (كساء) مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي. ثم قال: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً".
وهذه الحادثة كما كانت تدبيراً لدرء فتنة مواجهة المناوئين للخلفاء الشرعيين وبقية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمته، كذلك كانت تدبيراً لدرء فتنة الأديان الأخرى وأتباعها عن التأثير بالإسلام والمسلمين بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
3- عندما كان يقاسي ألم المرض الذي ودّع الدنيا على أثره- وفي حضرة نخبة كبيرة من الصحابة-، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إيتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّون بعده.
فقال قائل: إن رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله فتنازع القوم بين مؤيد ومعارض، فغضب صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع".
وقال ابن عباس بعد نقل هذه الواقعة المؤلمة: "الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله".
4- سرية أسامة، والتي جهّزها في أواخر أيام حياته، وزجّ فيها بجميع الشخصيات التي يتوقع منها مناوئة علي عليه السلام ومعارضته، من توطيد الأمور ومنع الاختلاف بعد رحيله المؤلم.
ولكن هذه السريّة لم يكتب لها الانطلاق بهؤلاء المذكورين، بسبب تخلّفهم عن السريّة، وقد نقلت الكثير من المصادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم ذمّه لمن تخلّف عن جيش أسامة.
وقد كان أمر خلافته والتنازع عليها أكثر ما يؤرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام بكل ما يمكن أن يمنع هذا التنازع، حتى يُعذر عند ربه تعالى، ويلقي الحجة بذلك على جميع المسلمين.
نهاية الرحلة:
سأل كعب الأحبار عمر بن الخطاب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي أيام خلافة عمر، ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر: سل علياً، فسأل علياً عليه السلام، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي، فقال: الصلاة، الصلاة. فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء، وبه أُمروا، وعليه يبعثون".
وقد توفي صلى الله عليه وآله وسلم على ما اتفقت عليه كلمة محدثي الشيعة ومؤرخيهم- في منتصف يوم الإثنين، الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة الحادية عشرة للهجرة.
ثم غسّله علي عليه السلام، ولما فرغ من تكفينه فكّ الإزار عن وجهه، وقال والدموع تنهمر من عينيه الشريفتين:
"بأبي أنت وأمي طبت حياً وطبت ميتاً، انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والأنباء. ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع، لأنفذنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكمد محالفاً وقلاً لك، ولكنه ما لا يملك ردُّه ولا يستطاع دفعه. بأبي أنت وأمي، أذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك".
ثم صلّى عليه أمير المؤمنين عليه السلام أولاً، وبعد ذلك صلى عليه المسلمون جماعة جماعة. ثم دفنه عليه السلام في قبر حفره في حجرته أبو عبيدة بن الجراح وزيد بن سهل، وعاونه في دفنه الفضل والعباس. فسلام الله عليه وعلى آله يوم ولد ويوم عُرج بروحه ويوم يُبعث حياً.