محاور الموضوع الرئيسيّة :
- معرفة الله تعالى بالله.
- بين الإيمان بالله تعالى ومعرفته.
- كيف نقوّي الإيمان بالله تعالى.
الهدف:
التعرّف على الأبعاد الروحية والإيمانية لمعرفة الله وسبل تقوية الإيمان والعلاقة بالله تعالى.
تصدير الموضوع:
في دعاء عرفة "مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً، اِلهى اَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ اِلَى الاْثارِ فَاَرْجِعْنى اِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الاَْنْوارِ، وَهِدايَةِ الاِْسْتِبصارِ" 1.
1- معرفة الله تعالى بالله
لقد كثرت الدراسات وتنوّعت الأدلّة الفطرية والنقلية والفعلية وغيرها للبحث عن معرفة الله تعالى، وقد أرشدت نصوص أهل البيت عليه السلام إلى طريقة هامة لمعرفة الله وهي معرفة الله بالله تعالى.
"سُئِل أمير المؤمنين عليه السلام : بما عرفت ربك؟ فقال: بما عرّفني نفسه، قيل كيف عرّفك نفسه؟ فقال: لا تشبهه صورة ولا يحس بالحواس ولا يقاس بالناس قريب في بعده، بعيد في قربه" 2.
وفي دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجّاد عليه السلام "بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدرِ ما أنت".
2- بين الإيمان بالله تعالى ومعرفته
يستفاد من الروايات أن الإيمان بالله تعالى ومعرفته مرتبة رفيعة وخاصة وله عدّة مراحل، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إن الإيمان أفضل من الإسلام، وإن اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيئ أعزّ من اليقين" 3.
ويمكن تقسيم المراحل بحسب الروايات إلى المراحل التالية:
1- مرحلة الإسلام
وهو التصديق بالله تعالى وتوحيده، ونبوّة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إجمالاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام : "الإسلام شهادة ألا إله إلا الله والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس"، وهذا لا يحصل إلا من خلال معرفة الله تعالى 4.
2- مرحلة الإيمان
ويعني التصديق بما جاء به الدين الإسلامي في القلب واللسان وتجسيد ذلك بالجوارح، فقد جاء في الحديث، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "والإيمان الهُدى وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام، وما ظهر من العمل به، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة" 5. وعنه: " أن الإيمان ما وقر في القلوب" 6 وأن العمل من من الإيمان، والإيمان لا يكون إلا بعمل، ولا يثبت الإيمان إلا بعمل.
3- مرحلة التقوى
وهي المرحلة التي يكون فيها المؤمن متوقياً لكل ما يحتمل ابعاده عن الله تعالى، فيجتنب الشبهات ويفعل المستحبات كما يترك المكروهات، وجاء في الحديث: أن التقوى فوق الإيمان بدرجة، والمعروف عن تفسير التقوى هو: "أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك".
4- مرحلة اليقين
وهي أعلى المراتب وأسماها، وهي مرحلة الإحساس وانكشاف الغطاء وتحوّل الغيب إلى الشهادة، يقول الإمام علي عليه السلام : "لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً" 7، وصرّحت الأخبار بأفضيلة اليقين على الإيمان وأنه فوق التقوى بدرجة، " واليقين فوق التقوى بدرجة".
3- كيف نقوّي الإيمان بالله تعالى
لا شكّ بأن الإيمان بالله قابل للزيادة والنقصان، وهو خاضع لجملة من العوامل تؤثِّر عليه قوة وضعفاً، وفيما يلي عرض لجملة من الأساليب من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه،نذكر منها:
1- التفكير في المخلوقات: على المؤمن أن يتأمل في هذا الكون وما يتضمّن من مخلوقات الخالق، قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ 8.
2- قراءة القرآن بتدبّر: والقرآن يمثل كلمات الله التي تتضمّن المبادئ العالية لتربية الإنسان وارتباطه بالله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾9 .
3-ممارسة الشعائر الإسلامية: فإنها بمثابة الغذاء للمؤمن الذي ينمّي لديه قوّة الإيمان بالله ويصعد بوجوده نحو الكمال الإلهي، ومن مصاديق الشعائر الإسلامية: الصلاة، الصوم، الإنفاق، الحج، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ 10.
4-الذكر: ويتمثّل بأنواع الدعاء وبألفاظ التهليل والتكبير والتسبيح والتمجيد، قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ 11. وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً﴾ 12، وعن الصادق عليه السلام " من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيراً".
5-تذكر الموت وحساب القبر والمراحل التي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعدّ الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إذكروا هادم اللذات" وقد أشار الإمام علي عليه السلام في كتابه إلى محمد بن أبي بكر بقوله: "وكفى بالموت واعظاً" وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول: "أكثروا ذكر الموت، فإنه هادم اللذات" 13.
6-الجهاد والشعور بالأمل الدائم وحتمية الانتصار: فالاعتقاد بأن الصراع الدائر بين الحق والباطل، ومعاناة الناس من الباطل وأهله هي نوع من التمهيد الضروري والتغيير الاجتماعي تمهيداً لتحقق وعد الله بالنصر والتمكين، الذي ما كان ليتحقق لولا الجهاد، ووجود مجموعات من المجاهدين الذين استرخصوا كل شيء في الوجود في سبيل نصرة دين الله، وحفظ كرامة أبناءه ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ 14، وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 15.
7-الاعتزاز الدائم بالله تعالى: قال الله تعالى: ﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ 16، وقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ 17. فالاعتزاز بالإيمان والانتساب إلى الإسلام ينبغي أن يشكل شعوراً مرافقاً للمؤمن أينما كان، وكيف حلّت به الدنيا.
8-التواضع: بمعنى الاستشعار المستمر بالضعف والتقصير أمام الله تعالى اقتداءً بسيرة أهل البيت عليه السلام ، فقد ورد في مناجاة التائبين عن الإمام زين العابدين عليه السلام : "إلهِي أَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِي، وَجَلَّلَنِي التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِي، وَأَماتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي، فَأَحْيِه بِتَوْبَة مِنْكَ يا أَمَلِي وَبُغْيَتِي" 18.
1-مفاتيح الجنان.
2-الكافي، 1-85- حديث5.
3-الكافي، ج2، باب فضل الإيمان على الإسلام، حديث، 1.
4-أصول الكافي، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ج2، ح1.
5-المصدر نفسه تكملة النص.
6-المصدر نفسه، ج4.
7-نهج البلاغة.
8-فصلت، 53.
9-الاسراء، 9.
10-فاطر،10.
11-الرعد، 28.
12-آل عمران، 41.
13-وسائل الشيعة، ج2، باب استحباب كثرة ذكر الموت.
14-النور، 55.
15-الروم، 47.
16-آل عمران، 139.
17-المنافقون، 8.
18-الصحيفة السجادية.