محاور الموضوع الرئيسة:
- المكانة العلمية للإمام الرضا عليه السلام.
- مواجهة الإمام الرضا لحركات الانحراف.
- محاربة ظاهرتي الغلو والواقفة.
الهدف:
التعرّف على المنهج الإصلاحي للإمام الرضا في مواجهة التيارات والأفكار المنحرفة.
تصدير الموضوع:
حذّر الامام الرضا عليه السلام من الأفكار المنحرفة فقال: "إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم, ثلبونا بأسمائنا..."1.
1- المكانة العلمية للإمام الرضا عليه السلام
شهد القريب والبعيد بالمكانة العالية للإمام الرضا عليه السلام، وإحاطته التامة بجميع أنواع العلوم والمعارف، فقد كان بإجماع المؤرّخين والرواة أعلم أهل زمانه، وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين، وعلوم الفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم، وقد تحدّث عبد السلام الهروي عن سعة علومه، وكان مرافقاً له. فقال: "ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا، ما رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له عدداً من علماء الأديان، وفقهاء الشريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، وأقرّ له على نفسه بالقصور، ولقد سمعته يقول: كنت أجلس في (الروضة) والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا عيّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم، وبعثوا إليّ المسألة فأُجيب عنها.."2.
وقال إبراهيم بن العباس: "ما رأيت الرضا يُسأل عن شيء قط إلاّ علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول، إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيبه الجواب الشافي"3.
قال المأمون: "ما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل يعني الإمام الرضا على وجه الأرض..." 4.
وروي أن الإمام الرضا عليه السلام: "كان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن نيّف وعشرين سنة"5. وحتى في طريقه إلى مرو فكان لا ينزل ببلدٍ إلا قصده الناس يستفتونه، ولما وصلها كانت مدرسة الإمام في بيته عليه السلام.
وإن الثروة العلمية الهائلة التي قدّمها الإمام الرضا عليه السلام قد شملت ألوان العلوم والمعارف من فلسفة وكلام وطب وفقه وتفسير وتاريخ و تربية وآداب وسياسة واجتماع وغيرها... وقد أتاحَ المأمون من حيث لا يشعر فرصة ذهبية لظهور علم الإمام عليه السلام وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحدّيه لكل العلماء الذين جمعهم لتضعيف الإمام وإسقاطه من خلال المواجهة العلمية التي جمع من أجلها علماء الفرق والأديان... كما أثر عن الإمام الرضا عليه السلام مجموعة من النصوص المتنوّعة مثل: طب الإمام الرضا عليه السلام، ومسند الإمام الرضا عليه السلام 6، أو صحيفة الإمام الرضا عليه السلام أو صحيفة أهل البيت والمعبّر عنها بالرضويات، و رسالة جوامع الشريعة، كما نسب إليه أيضاً كتاب فقهي عُرف بـ (فقه الرضا) عليه السلام 7.
ويكفينا حديث سلسلة الذهب الذي رواه الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه المعصومين عن جدّهم سيّد المرسلين عن جبرائيل عن ربّ العزّة سبحانه وتعالى ونصّه: "لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمِن من عذابي".
قال أحمد بن حنبل عن مثل سند هذا الحديث: "وهذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق"8.
2- مواجهة حركات الانحراف
بدأ العباسيون خلال هذه الفترة بالتراجع عن شعارات حركتهم في وجه الأمويين في الدفاع عن بني هاشم، والثأر لأجدادهم، واتجهوا نحو تثبيت دعائم دولتهم، وهذا ما أحدث تبدّلاً جوهرياً في موقف السلطات العباسية من أهل البيت عليهم السلام برز بقرار هارون الرشيد بالتخلّص من الإمام الكاظم عليه السلام.
وقد واجه الإمام الرضا عليه السلام حركات الانحراف الديني والفكري المختلفة منها.
أ- إعلان مقاطعة الغلاة والمفوّضة: نظراً للخطر الداخلي الذي يؤدي إليه الغلو فقد كان الإمامعليه السلام شديد القسوة في الدعوة إلى تركهم ومقاطعتهم، فقال عليه السلام عن مقاطعة الغلاة والمفوّضة: "الغلاة كفّار والمفوّضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو واكلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوّجهم، أو تزوّج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة أو صدّق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزّ وجل وولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وولايتنا أهل البيت عليهم السلام"9.
بل أمر بمقاطعة جميع أصناف الغلاة فقال عليه السلام: "لعن الله الغلاة ألا كانوا يهوداً، ألا كانوا مجوساً، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدريّة، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا حرورية... لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم بريء الله منهم"10.
ب- مواجهة فتنة الواقفة: بعد أن استشهد الإمام الكاظم عليه السلام طالب الإمام الرضا عليه السلام جماعة من وكلائه بإرسال المال الذي كان بحوزتهم إليه، ولكنهم طمعوا به، فأجابوه: إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل11.
واستطاع هؤلاء أن يستميلوا بعض الناس لترويج فكرة أنّ الإمام الكاظم عليه السلام لم يمت وأنّه القائم المنتظر، وما كان من الإمام عليه السلام إلاّ أن يعلن المواجهة مع الواقفة للقضاء عليهم، فقد لعنهم أمام أصحابه فقال عليه السلام: "لعنهم الله ما أشدّ كذبهم"12 وأمر بعدم مجالستهم تحجيماً لأفكارهم ومدّعياتهم، فقال لمحمد بن عاصم: "بلغني أنّك تجالس الواقفة؟" قال: نعم، جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال: "لا تجالسهم"13. وقال عليه السلام فيمن سأله عن الواقفة: "الواقف حائد عن الحق ومقيم على سيئة إن مات بها كانت جهنّم مأواه وبِئس المصير"14.
وأمر بمنع الزكاة عنهم فعن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام أعطي هؤلاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال: "لا تعطهم فإنّهم كفار مشركون زنادقة"15.
1- عيون أخبار الرضا: 1 / 304.
2- أعلام الورى 2/ 64 وعنه في كشف الغمة 3/106.
3- عيون أخبار الرضا 2/ 180.
4- الإرشاد 2/261.
5- أعيان الشيعة، 1/ 101.
6- يشتمل المسند على (240) حديثاً رواها عنه عليه السلام عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي
7- اختلف الأصحاب في صحة انتسابه إلى الإمام عليه السلام على أقوال ثلاثة، يراجع المصادر التخصصية الحديثية في المقام1.
8- مناقب آل أبي طالب: 3/433 وعنه في بحار الأنوار: 48/107 وأعيان الشيعة: 1 / 100.
9- م.ن، 2/ 203.
10- م.ن، 2/ 202.
11- لغيبة، 65/ ح67 وعنه في بحار الأنوار، 48/253.
12- رجال الكشي، 458 ح 868.
13- رجال الكشي، 457 ح864.
14- م.ن، 455ح 860
15- م.ن، 456 ح 862.