محاور الموضوع الرئيسة:
مقدمة في الظروف التاريخية المحيطة.
منزلة السيدة المعصومة وعلمها.
معالم من حياة السيدة فاطمة المعصومة.
الهدف:
التعرّف على جوانب من شخصيّة السيدة فاطمة المعصومة، كنموذج من حياة أبناء الأئمة.
تصدير الموضوع:
يقول الإمام الصادق عليه السلام حول مقام السيدة معصومة عليها السلام: "... تقبض فيها (في قم) امرأة من ولدي اسمها فاطمة بنت موسی و تدخل بشفاعتها شيعتي الجنة بأجمعهم"1.
1- مقدمة في الظروف التاريخية المحيطة
لاقى الإمام الكاظم عليه السلام، من الجور والآلام الكثير. وهذه الآلام والمحن كانت تؤلم القلب الطاهر للسيدة المعصومة عليها السلام، وكان المسلي الوحيد لها وللعائلة هو أخوها المفدى الإمام الرضا عليه السلام، فعندما ولدت السيدة المعصومة عليها السلام كانت قد مضت ثلاث سنوات من خلافة هارون العباسي، وقبل أن تكمل العشر سنوات من العمر.
أمر هارون الرشيد بإعتقال الإمام الكاظم عليه السلام وسجنه، فحرمت السيدة المعصومة عليها السلام من والدها، لتفجع بعد ذلك باستشهاده عليه السلام فشعرت بالحزن على فقده، وكانت تحترق لفراقه وتطيل البكاء عليه.
بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام انتقلت الإمامة إلى ابنه على بن موسى الرضا عليه السلام الذي كان في الخامسة والثلاثين من عمره، وفي سنة 193 هـ. مرض هارون و مات بمرضه، ارتقى "الأمين" منصّة الخلافة و لم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، وفي سنة 198 هـ. قتل الأمين بيد أخيه و تسنّم المأمون منصب الخلافة فأرسل المأمون "رجاء بن أبىالضحاك" إلى المدينة و ذلك سنة 200 هـ لكي يدعو الإمام عليه السلام من المدينة إلى "مرو" التي كانت مركز حكومته، والمأمون كان يأمل أنه يستطيع أن يحصل على موافقة الإمام عليه السلام لقبول ولاية العهد، وبعد إجبار الإمام وإكراهه على الخروج من المدينة، قام إلى زيارة قبر جده عليه السلام والأئمة الأربعة في البقيع عليهم، ثم ودّع أولاده وإخوانه وأخواته ومنهن أخته الكريمة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، و غادر متجّهاً إلى مرو.
2- منزلة السيدة المعصومة وعلمها
وللسيدة المعصومة مقام خاص و عالٍ عند أهل البيت عليه السلام،و يقول الإمام الرضا عليه السلام: "من زار المعصومة عليها السلام بقم، كمن زارني"2.
على أساس هذا الحديث فليس فقط زيارتها تساوي زيارة الإمام المعصوم، بل إن الرضا عليه السلام لقبها المعصومة، و بما إن الإمام المعصوم لا يغلو في الكلام فلذا فإن لتلك السيدة العظيمة درجات في العصمة و الطهارة.
روى الإمام الصادق عليه السلام هذا الحديث في حين لم تر عينا السيدة المعصومة و أبيها L الدنيا، وهذه علامة في علوّ مقامها. ومن إحدى الكرامات الخاصة للسيدة ورود الزيارة المأثورة لها عن المعصوم عليه السلام حيث وقد ورد في زيارتها عليها السلام: "... يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإنّ لكِ عند الله شأناً من الشأن...".
وقد وصلت إلى مقام رفيع من العلم و الفضيلة و صارت عارفة بالكثير من العلوم و المسائل الإسلامية في أيام صباها. ففي أحد تلك الأيام أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم الدينية على الإمام الكاظم عليه السلام و يأخذوا العلم من معدنه، ولكن كان الإمام الكاظم عليه السلام وكذلك الإمام الرضا عليه السلام مسافرين، و لم يكونا حاضرين في المدينة، فاغتمّ الجمع، لأنهم لم يجدوا حجة الله ومن يقدر على جواب مسائلهم، و اضطروا للتفكير بالرجوع إلى بلدهم، وعندما رأت السيدة المعصومة عليها السلام حزن هؤلاء النفر أخذت منهم أسئلتهم التي كانت مكتوبة، و أجابت عليها، و عندئذ تبدّل حزن الجماعة بفرح شديد ورجعوا إلى ديارهم راجحين مفلحين. و لكنهم في الطريق التقوا بالإمام الكاظم عليه السلام وحدّثوه بما جرى عليهم، وبعد ما رآى الإمام جواب ابنته على تلك المسائل أثنى على بنته بعبارة مختصرة قائلا: "فداها أبوها".
3- معالم من حياة السيدة فاطمة المعصومة
- الولادة: ولدت عليها السلام في أوّل ذي القعدة سنة 173 هـ، في المدينة المنورة، والدها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وأمهّا السيدة نجمة خاتون، وكانت من بعد أخيها الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ثاني و آخر أبناء السيدة نجمة خاتون 3.
- بين أهلها في قم: وبعد سنة على سفر الإمام الرضا عليه السلام إلى مرو، أرسل الإمام عليه السلام رسالة مخاطباً أخته السيدة المعصومة عليها السلام بيد أحد خدامه إلى المدينة المنوّرة، وأمره أن لا يتوقف وسط الطريق كي يوصل الكتاب إلى المدينة المنورة بأقصر زمان ممكن، ولما وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة وامتثالاً لأمر الإمام عليه السلام سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة، فقرّرت وبعض إخوة الإمام وأبناء إخوته أن يتحرّكوا نحو مرو ليلتحقوا بالإمام عليه السلام، وكان في هذه القافلة السيدة فاطمة المعصومة يرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادي، قاسم وزيد، ومعهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة وعدة من العبيد والجوارى.
ولما وصلت القافلة إلى مدينة ساوة مرضت السيدة المعصومة مرضاً شديداً بحيث لم تقدر على إدامة المسير، فقرّرت الذهاب إلى "قم"، وسألت من معها: "كم بيني وبين قم؟» أجابوها: عشرة فراسخ. و عند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم. ولما بلغ خبر وصول السيدة المعصومة إلى ساوة ومرضها هناك إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيدة ويطلبوا منها الإقامة في قم، ولكن ذهب "موسى بن خزرج" ممثلاً من أهل قم إلى بنت الإمام الكاظم عليه السلام وأخبرها برغبة القميّين وفرط اشتياقهم بزيارتها، وأجابت السيدة المعصومة طلبهم وأمرت بالحركة نحو قم، أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة عليها السلام مفتخراً، وقادها إلى المدينة التي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا عليه السلام حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم.
وفي 23 ربيع الأول سنة 201 هـ، وصلت قافلة السيدة المعصومة إلى مدينة قم، واستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين لدخول السيدة ديارهم.
- شدة المرض والوفاة: وكان موسى بن خزرج ذا يسر و بيت وسيع، و أنزل السيدة في داره وتكفل لضيافة السيدة المعصومة عليها السلام ومرافقيها. و استشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا عليه السلام القادمين من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم اتخذت السيدة فاطمة المعصومة معبداً لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألمّ بها. وهذا المعبد باق إلى الآن ويسمى بـ "بيت النور".
أقلق مرض بنت الإمام الكاظم مرافقيها و أهالي قم كثيرا، مع أنهم لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. واستشهدت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام بعد انقضاء 17 يوماً من وصولها إلى قم، في 10 ربيع الثاني سنة 201 هـ، وكان عمرها 28 سنة.
وخصّص موسى بن خزرج بستاناً كبيراً له في منطقة يقال لها "بابلان" عند نهر قم (مساحة الحرم الحالية) لدفن الجسد الطاهر واتّفقوا أن يوكلوا أمر دفنها إلى شيخ كبير صالح اسمه «قادر»، وأرسلوا شخصاً لإحضاره، ولكن لم يجدوه، فإذا براكبين متوجِّهين من جهة النهر و اقتربا إلى محل الدفن، وعندما وصلا إلى الجسد الشريف للسيدة نزلا من المركب وصلّيا على الجنازة، ثم تولّيا دفن الجسد الطاهر، ومع تعجّب الحاضرين ركبا راحلتهما وابتعدا بسرعة.
1- بحار الأنوار ،المجلد 60.
2- مستدرك وسائل الشيعة ،المجلد 10.
3- تواريخ النبي والآل.