محاور الموضوع الرئيسيّة:
أولاً: البعد العقائدي لقضية الإمام المهدي
ثانياً: البعد العبادي والعملي
ثالثاً: البعد المرتبط بفلسفة الغيبة نفسها.
الهدف:
التعرّف إلى بركات الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته وواجب المسلمين فيها.
تصدير الموضوع:
جاء في دعاء العهد المتضمّن تجديد العهد بالإمام المهدي عجل الله تعاى فرجه الشريف فجر كل يوم: "اللهم بلـّـغ مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها،... اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهداً وعقداً وبيعة في رقبتي"1...
مدخل:
يمكن معرفة بركات وجود صاحب الزمان في غيبته من خلال الأبعاد الآتية
أولاً: البعد العقائدي لقضية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: يمكن إيضاح هذا البعد من خلال المبادئ الآتية:
1- عالمية الإيمان بالمنقذ: لقد اتفقت كلمة الأديان والأمم والمذاهب على مجيء مصلحٍ سماوي إلهي ملكوتي، لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما ساد من الظلم والفساد، ولنشر العدل والمحبة والسلام.
2- الإمامة امتداد للنبوة: الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، ووظائفها مستمدّة من النبوّة، لناحية قيادة المجتمع وإدارة شؤون الأمة والدولة، ومرجعية دينية، وولاية أمر عامة للمسلمين كافة.
3- الاعتقاد بالمهدوية من ضروريات الإسلام: لقد تواترت الأخبار والروايات الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام التي تبشِّر بالمهدي، وبظهوره في آخر الزمان لينشر العدل، وينصر المستضعفين في العالم، ويعتقد المسلمون بأن قضية المهدوية والإمام المهدي ضرورة من ضروريات الإسلام على مستوى كون إمامته امتداداً لنبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيادة البشرية، وعالمية دولته، وكونه الإمام المفروض الطاعة.
4- لا تخلو الأرض من حجّة: إن ما يعزّز عقيدة المسلمين بالمهدي مجموعة الأخبار التي أكّدت أن الأرض لا تخلو من حجة لله على الأرض.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده"2، وعنه أيضاً قال: "لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله"3.
وقد حدّدت الروايات المقصود بالحجّة وأنه الإمام المهدي، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إن الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف" وورد روايتان بنفس المضمون عن الرضا والصادق عليهما السلام، وعن الصادق عليه السلام قال: "لو كان الناس رجلين لكان أحدها الإمام"4 وقال: "إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتجّ أحدٌ على الله عزّ وجل أنه تركه بغير حجّة لله عليه"5.
البعد العبادي والعملي: ويتجلى في اعتبار انتظار الفرج عبادة بل من أفضل العبادة كما ورد في العديد من الروايات يمثل الارتباط بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف عنوان الأمل في حياة المسلمين، بصفته خاتم الوصيين التي ترتبط قضيته ارتباطاً وثيقاً بمستقبل الإنسان وحاضره، ولا بد للأمة جمعاء من العمل المعطاء والمخلص والمخطّط لتتحقّق العبادة في انتظار صاحب الزمان.
1- مفهوم الانتظار وآثاره
لانتظار الفرج مفهومان: الأول يرتكز على مبدأ الاستسلام أمام الفساد والظلم والانحراف، واليأس من إصلاح العالم ونشر العدل قبل ظهوره، بل إن الفساد والظلم من أسباب الظهور.
والثاني: إيجابي يستند على أن الانتظار باعث على التحرّك لا الركود وعامل وعي ويقظة، ويطلق عادة على حالة من يشعر بعدم الإرتياح من الوضع الموجود، ويسعى لايجاد الوضع الأفضل والأصلح، وأنه يخلق روح المسؤولية، وباعث للأمل، ومصداق للعبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل العبادة انتظار الفرج"6، بل لقد تحدّثت الروايات عن أن الانتظار في توأم مع الجهاد.
سأل شخص الإمام الصادق عليه السلام: ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمة بانتظار ظهور حكومة الحق؟
فقال عليه السلام: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه ثم سكت هنيئة ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم7.
2- معايير وأسس الانتظار
- الانتظار يعني الاستعداد التام والشامل للأفراد والمجتمعات وعلى مختلف المستويات البنيوية والسياسية والعسكرية والعلمية، ولهذا ينبغي الالتفات إلى أمور
- بناء العناصر الإنسانية المستعدة لتحمّل المسؤولية تجاه الإمام ودولته.
- عدم الذوبان في المحيط الفاسد ومواجهة كل أشكال الظلم.
- الاهتمام الشامل بالبنية الجهادية والعسكرية على مستوى الأفراد والتشكيلات والمعدات.
3- واجبنا في عصر الغيبة
- الانتظار الحقيقي للفرج.
- الثبات على الدين مهما قست الظروف وانتشر الفساد.
- الثبات على الإمامة والولاية وتجديد البيعة.
- زيارته والدعاء الدائم له عجل الله تعالى فرجه الشريف.
- التمهيد بمختلف الوسائل الممكنة لظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.
- طاعته من خلال نوّابه العامين (الولي الفقيه).
وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"8.
ثالثاً: البعد المرتبط بفلسفة الغيبة نفسها
الغيبة الصغرى هي تمهيد طبيعي ومنطقي للغيبة الكبرى التي تتحقق فيها الغيبة التامّة التي تفوّت الفرصة على الظالمين من التعرف عليه وكشف سرّه. وقد سلك الإمام الحسن العسكري عليه السلام في اخفائه وتعريف شيعته به وإقامة الحجة عليهم بوجوده سلوكاً دقيقاً جمع فيه بين وجوب حفظه من أعدائه ووجوب إتمام الحجة عليهم بوجوده.
حتى أن عمّ الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف جعفر بن علي الهادي لم يعلم بولادته ولا بوجوده، وعليه فلا بدّ من غيبة صغرى كي يُعرف خلالها ميلاده عليه السلام ووجوده ويعرض على خواصّ أصحاب الإمام العسكري عليه السلام كما فعل هو حيث عرضه على خواصّ أصحابه وأعلن لهم عن ولادته، ثم عقّ عنه.
أسرار الغيبة الكبرى وأسبابها: لقد أشارت الأحاديث الشريفة المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام لأسباب غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الطويلة. وبإلقاء نظرة شاملة وفاحصة فيما جاء من النصوص حول الغيبة يتّضح أن هذه الروايات والأحاديث يمكن تقسيمها إلى عدة طوائف:
- فطائفة تذكر أن علّة الغيبة هي أن الله سبحانه أجرى للإمام عج الله تعالى فرجه الشريف سنن الأنبياء في غيباتهم روى سدير عن أبيه عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنّ للقائم منـّـا غيبة يطول أمدها، قلت له: يا ابن رسول الله ولمَ ذاك؟ قال عليه السلام: لأنّ الله عزّ وجل أبى إلاّ أن يجعل فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنه لابدّ له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم، قال الله تعالى: ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ أي سنن من كان قبلكم9.
- وطائفة اُخرى تعلّل غيبته عجل الله تعالى فرجه الشريف بخوفه من القتل روى زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره،قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف وأومأ بيده إلى بطنه قال زرارة يعني: القتل وفي حديث للإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد استعراضه لمحاولة فرعون قتل موسى عليه السلام وحفظ الله تبارك وتعالى لموسى عليه تشبيه دقيق لظروف غيبة النبي الكريم بغيبة الوصي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف قال الإمام العسكري :"كذلك بنو اُمية وبنوالعباس لمّا وقفوا على أن زوال ملك الاُمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا، ناصبونا العداوة ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى الله وإبادة نفسه طمعاً منهم في الوصول الى القائم ويأبى الله عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون"10.
- وطائفة ثالثة تذكر أن العلّة هي أن لا تكون في عنقه بيعة لأي ظالم ولا لطاغية زمانه حين يظهر بالسيف، روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال في جواب من سأله عن علّة الغيبة : "لئلاّ يكون في عنقه بيعة إذا قام بالسيف"11.
ويقول عليه السلام في رسالته الاُولى للشيخ المفيد
"نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين"12.
- وطائفة رابعة لم تذكر سبباً صريحاً بل تنصّ على أن الغيبة أمر من أمر الله سبحانه وسرّ من أسراره لا يمكن كشفه إلا حين ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف .
1- مصباح الزائر، ص234.
2- الكافي، ج1، ص179.
3- م.ن.
4- الكافي، ج1، ص180
5- كمال الدين وتمام النعمة، ص288.
6- المحاسن، ج1، ص173.
7- كمال الدين وتمام النعمة، ص303
8- كمال الدين وتمام النعمة، ص481.
9- م.ن.
10- م.ن، 355.
11- م.ن، ص480.
12- الاحتجاج، ج2، ص 323.