محاور الموضوع الرئيسيّة:
- حالة العالم قبل البعثة النبوية الشريفة.
- أهداف البعثة.
- من هو النبي المبعوث لهداية البشرية.
الهدف:
التعرف إلى أهداف البعثة النبوية، وقبس من شخصية نبي الإسلام.
تصدير الموضوع:
قال الله تعالى:﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين﴾1
حالة العالم قبل البعثة النبوية الشريفة
بُعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس في ضلالة عمياء، وجاهلية جهلاء، والعالم يموج بألوان مختلفة من الشرك والظلم والتخلف والانحدار، وفي صدارة العالم دولتان دولة الفرس وهم من المجوس ودولة والروم التي حرّفت المسيحية، ومن وراء هؤلاء يهود غضب الله عليهم لضياع الدين بينهم، واتخاذهم أحبارهم أرباباً من دون الله، وهنود يُطبقون على عبادة العجول والأبقار، ولم يكن العرب أحسن حالاً من هذه الأمم...
أما سياسياً: فقد كانت أحوال القبائل داخل الجزيرة العربية مفكّكة الأوصال، تغلب عليها النزعة القبلية والطبيعة العنصرية.
وأما أحوال العرب الاجتماعية: فقد كانت في الحضيض، يُغير بعضهم على بعض, ويخوضون الحروب لأتفه الأسباب، يئدون البنات خشية العار، ويقتلون الأولاد خشية الفقر والافتقار...
وأما أحوالهم الخلقية: فقد كان فيهم من الدنايا والرذائل ما ينكره العقل السليم، لكنهم حافظوا على جملة من الأخلاق تميّزوا بها عن سائر الأمم حينئذ كالوفاء بالعهد وعزة النفس والشجاعة والكرم..
البعثة: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر العقد الثالث من عمره الشريف يلقى إليه الوحي عن طريق الإلهام والإلقاء في نفسه، والانكشاف له من خلال الرؤية الصادقة، فكان يرى في المنام الرؤية الصادقة، وهي درجة من درجات الوحي. وجاء في تفسير الدر المنثور: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي الرؤية الصادقة، فكان لا يرى رؤياً إلاّ جاءت مثل فلق الصبح. ثمّ حبَّبَ الله إليه الخلاء، فكان يخلو بِغار حراء، وهو كهف صغير في أعلى جبل حراء، في الشمال الشرقي من مَكَّة، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يتعبَّد فيه. وحينما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم الأربعين من عمره عام (13) قبل الهجرة (610 م )، أتاه جبرائيل في غار حراء، فألقى إليه كلمة الوحي، وأبلغه بأنَّه نبي هذه البشرية، والمبعوث إليها.
أهداف البعثة: بعد الحديث عن توحيد الله وصفاته في سورة الجمعة، يتحدّث القرآن عن بعثة الرّسول و الهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدّوس. حيث يقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياته" وذلك من أجل أن يطهّرهم من كلّ أشكال الشرك و الكفر والانحراف والفساد "وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ.﴾
ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أمور، جاء أحدها كمقدّمة وهو تلاوة الآيات عليهم، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب النفس وتزكيتها) و(تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير..
والجدير بالملاحظة أننا نجد بعض الآيات القرآنية تذكر "التزكية" قبل "التعليم" بينما تقدّم آيات أخرى "التعليم" على "التزكية". ففي ثلاثة من الموارد الأربعة التي ذكر فيها "التزكية" و"التعليم" تقدّمت التزكية على التعليم بينما تقدّم التعليم في المورد الرابع. و في الوقت الذي يشار في هذا التعبير إلى التأثير المتبادل لهذين العنصرين (الأخلاق وليدة العلم، كما أنّ العلم وليد الأخلاق) تظهر أيضا أصالة التربية و مدى الاهتمام به2 ا.3
الرسول الأمي: و من الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسول صلى الله بهذه الخصوصيات التي لا يمكن تفسيرها إلّا عن طريق الإعجاز، تعتبر هي الأخرى إشارة إلى عظمته عزّ و جلّ و دليل على وجوده إذ يقول: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا... و أبدع هذا الموجود العظيم بين أولئك الأميين.
"الأميين" جمع (أميّ) و هو الذي لا يعرف القراءة و الكتابة (ونسبته إلى الأم باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليما في معهد أو مدرسة غير مدرسة الأم. و قال البعض: إنّ المقصود بها أهل مكّة، لأنّ مكّة كانت تسمّى (بأم القرى)، و لكنّه بعيد. وقال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بها "امّة العرب" مقابل اليهود وغيرهم، واعتبروا الآية (75) من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حيث يقول:قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ و ذلك باعتبار أنّ اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الكتاب و هم أهل القراءة و الكتابة، بينما كان العرب على العكس من ذلك.و لكن التّفسير الأوّل أنسب.
نور الإسلام لا الضلال المبين: تعبير "الضلال المبين" إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب و ماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام.. و قد جاء في آخر الآية: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ﴾،. بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة أي نعمة بعث نبي الإسلام يضيف قائلا: ﴿ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
من هو النبي المبعوث لهداية البشرية
1- طهارة مولده صلى الله عليه وآله وسلم: قال الطبرسي في تفسير قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾: ومعناه وتقلبك في أصلاب الموحّدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبياً... وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله قالا: في أصلاب النبيين، نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه السلام.4
2- علاقته بالله تعالى:
1-عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أبي جعفرعليه السلام قال: "وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على أطراف أصابع رجله فأنزل الله سبحانه وتعالى ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾5 " 6.
2-خوفه من الله تعالى: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ما كان شيء أحب إلى رسول الله من أن يظلّ خائفاً جائعاً في الله عزّ وجلّ"7 .
وقد تجلّت عبوديته في قوله وسلوكه حتى قال: "قرّة عيني في الصلاة"8 ، وكان ينتظر وقت الصلاة ويشتدُّ شوقه للوقوف بين يدي الله تعالى، وكان كثير الدعاء، حتى قال "الدعاء مخ العبادة" 9.
3- قبس من سلوكه وصفاته الشخصية
أ- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مات رسول الله، وعليه دين10 .
ب- جلوسه وأكله: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، ويعلم أنه عبد11.
ج- علاقته بأصحابه: عن أبي عبد اللهعليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم لحظاته بأصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية وقال: ولم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قط، وإن كان ليصافحه الرّجل فما يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده من يده حتى يكون هو التارك... 12.
د- تواضعه وشكره: قال الإمام علي عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سُئل شيئاً فأراد أن يفعله قال: نعم، وإذا أراد أن لا يفعل سكت، وكان لا يقول لشيء لا13 .
هـ- زهده: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، قلت: لا يا ربّ ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك"14.
1- سورة الجمعة 1-2
2- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص: 316
3- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص: 315
4- مجمع البيان في تفسير القرآن، ج19، ص189
5- طه، 1-2
6- أصول الكافي، ج2، ح6
7- روضة الكافي، ح171
8- أمالي الطوسي، 2/ 141
9- المحجّة البيضاء، 2/ 282
10- بحار الأنوار، ج16، ح111
11- الكافي، ج6، ح3
12- أصول الكافي، ج2، ح1
13- مجمع الزوائد، 9/ 13
14- سنن الترمذي، 4/ 518، حديث 2377