محاور الموضوع الرئيسيّة:
- علي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
- التربية النبويّة لعلي عليه السلام
- مدرسة علي عليه السلام ونهجه امتداد لمدرسة النبوة
الهدف:
التعرّف إلى جوانب من التربية النبوية للإمام علي عليه السلام .
تصدير الموضوع:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما" 1.
1- علي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتردّد كثيراً على دار عمّه أبي طالب بالرغم من زواجه من خديجة وعيشه معها في دار منفردة، وكان يشمل عليّاً عليه السلام بعواطفه، ويحوطه بعنايته، ويحمله على صدره، ويحرّك مهده عند نومه إلى غير ذلك من مظاهر العناية والرعاية2.
وكان من نِعَم الله عزّ وجلّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام وما صنع الله له وأراده به من الخير أنّ قريشاً أصابتها أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعبّاس وكان من أيسر بني هاشم: "يا عبّاس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه، قال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتّى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام فضمّه إليه وكان عمره يومئذ ستة أعوام، وأخذ العبّاس جعفراً، فلم يزل عليّ عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه عليّ عليه السلام فآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتّى أسلم واستغنى عنه 3.
و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن اختار عليّاً عليه السلام : "قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليّاً "4.
وهكذا توفّرت لعليّ عليه السلام فرصة أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولهذا فلم يُرَ الإمام علي عليه السلام بعيداً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نادراً، وما من أمر حدث إلاّ كان لعليّ عليه السلام مَعْلَم فيه وأثر، وللتأكيد على هذا اختاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخاً له لتزداد هذه العلاقة وثوقاً ومتانةً، وقال في ذلك: "علي مني" وقال جبرائيل: "وأنا منكما"5 وما يؤكِّد هذه العلاقة والدرجة الرفيعة لعلي عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ورد عن أبي سعيد الخدري اذ قال: "كانت لعليّ درجة لم تكن لأحد من الناس" 6.
2- التربية النبويّة لعلي عليه السلام
يتجلّى اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتربية علي عليه السلام وتعليمه وإعداده للإمامة والقيادة في العديد من النصوص والمواقف منها
أ- ملازمة علي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عبّر الإمام علي عليه السلام نفسه عن هذه الصحبة بقوله: "وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، ولقد كنت أتّبعه إتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة بحرّاء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة" 7.
ب- مبادرة النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم لتعليمه عليه السلام: وما يدلّ على انتقال علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمله إليه وتجلّي كمالاته فيه، وهو ما أشار إليه عليه السلام بقوله: "وكان لا يمرُّ من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته" 8، وقوله عليه السلام "لأني كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتُّ ابتدأني" 9.
ج- تعليمه أسرار القرآن: وقوله عليه السلام : "والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت" 10 ولهذا وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأعلم الناس حيث قال: "علي أعلم الناس بالكتاب والسنة" 11.
وإلى هذا يشير الإمام عليه السلام في رواية معتبرة مرويّة عنه عليه السلام ".. فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلَّمني تأويلها، وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال، ولا حرام، ولا أمر، ولا نهي، كان أو يكون منزلاً على أحد قبله، من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنسَ حرفاً واحداً"12.
3- مدرسة علي عليه السلام ونهجه امتداد لمدرسة النبوة
الأئمة المعصومون خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمناؤه على الدين من بعده، ولا يفتون بحكم سوى ما تلقّوه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يحدّثون إلا بحديثه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام "حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "13 . والأئمة بمنزلة رسول الله إلا أنهم ليسوا بأنبياء كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام 14، وليس بيانهم للأحكام من نوع رواية السنة وحكايتها ولا من نوع الاجتهاد في الرأي والاستنباط من مصادر التشريع، بل هم أنفسهم مصدر للتشريع، فقولهم سنة لا حكاية السنة، وعليه فالأخذ منهم مباشرة هو أخذ للحكم الواقعي من مصدره الحقيقي على سبيل الجزم واليقين، وأما إذا لم يتمكّن من تحصيل الحكم الواقعي عنهم مباشرة فيرجع إلى الأحاديث التي تنقلها السنة إما عن طريق التواتر أو أخبار الآحاد.
وهم عدل الكتاب العزيز كما جاء في حديث الثقلين المتواتر، وموضع اتفاق الرواة والمحدّثين، وقد رواه تحقيقاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم 33 صحابياً 15.
وهم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي إثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي، قيل يا رسول الله، ومن أخوك؟، قال علي بن أبي طالب عليه السلام ، قيل فمن ولدك؟ قال: المهدي (عج) الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً 16.
وأهل البيت عليه السلام هم خزنة علم الله، وعيبة وحيه, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الله تعالى في صفة أهل البيت عليه السلام : "هم خزّاني على علمي من بعدك" 17.
وعن الإمام الباقر عليه السلام "نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله" 18أي موضع سرّه،. وهم ورثة علم الأنبياء كما في العديد من النصوص 19.
وخلاصة القول في المقام إن الأئمة المعصومين إنما يحدثون عن الله وعن رسوله، وكما جاء في الحديث عن الإمام الكاظم عليه السلام في جواب خَلَفِ بن حمّاد الكافي لما سأله عن مسألة مشكلة " والله، إني ما أخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عن الله عزّ وجلّ"20 . وهذا ما يؤكّد أن حديثهم من السنة المباركة، وما من شيء إلا فيه كتاب أو سنة 21.
1-سنن الترمذي - 5- 663 - 3788، وراجع صحيح مسلم 4- 1873 - 2408، ومسند أحمد: 7- 75- 19285، والسنن الكبرى: 10- 194- 20335.
2-بحار الأنوار: 35 - 43
3-تأريخ الطبري: 2 - 58 ط، وشرح ابن أبي الحديد: 13 - 198،، وكشف الغمة: 1 - 104، وموسوعة التاريخ الإسلامي: 1 - 351 ـ 356.
4-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1 - 15، نقلاً عن البلاذري والأصفهاني
5-حياة الصحابة، ج1، ص559.
6-أنساب الاشراف، ج1، ص98.
7-نهج البلاغة: الخطبة 190.
8-المصدر نفسه الخطبة 208.
9-أنساب الأشراف، ج1، ص98.
10-المصدر نفسه، ص99.
11-الحياة السياسية والفكرية لأئمة أهل البيتi، ص74.
12-أصول الكافي، ج1، كتاب فضل العلم.
13-أصول الكافي، ج1، ص53 ح: 1
14-أصول الكافي، 1- 270.
15-راجع نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار: 2- 87- 236.
16-كمال الدين: 27- 27، فرائد السمطين 2- 312- 562.
17-أصول الكافي، 1- 192- 2
18-المصدر نفسه 1- 192- 3.
19-راجع أصول الكافي، 1- 224- 2، والإرشاد، 1- 232.
20-أصول الكافي، 3- 194- 1.
21-أصول الكافي- 1- 95.