محاور الموضوع ألرئيسة
1 ـ التراحم بين المؤمنين.
2 ـ من أسباب ارتكاب العنف:
أ ـ إنعدام التقوى.
ب ـ الإنجرار وراء الغضب.
ج ـ الحدّة في التعامل مع الآخرين.
3 ـ خاتمة.
الهدف:
التعرّف على أسباب حصول العنف بين المؤمنين، والغوص في أعماق نفس الإنسان، لبيان انسلاخ شخصية العنيف عن حقيقة الإيمان.
تصدير الموضوع:
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ 1.
التراحم بين المؤمنين
إن العلاقات فيما بين المؤمن وغيره، يجب أن تكون من جانب المؤمن قائمة على حبّ الخير والود والعطف عليه، مهما كان هذا الغير. إذ حقيقة الإيمان تستدعي حبّ الصلاح والهداية للآخرين، على أساس أنها حقيقة إلهية. فإنّ "المؤمن" اسم من أسماء الله سبحانه. فضلاً عن أنّ هذه الحقيقة ـ التي هي منبع للخير ـ تتطلّب كفّ الأذى ورفع الظلم عن العالمين.
إذا كان هذا هو المطلوب من المؤمن اتجاه الآخر ـ أيّاً يكن هذا الآخر ـ، فكيف به اتجاه المؤمن الآخر، فإنه يجب أن يكون أشدّ حبّاً له، وودّاً اتجاهه، وأكثر منعاً للأذى عنه من قبل غيره، فكيف بذلك من قبله هو؟! وخير تعبير عن طبيعة هذه العلاقة وحقيقتها الآية القرآنية الكريمة ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾2.
وقد جهدت الشريعة الإسلامية في سبيل تحقيق معنى الإيمان متلازماً مع الأمان، وفي تجسيد حقيقة الإيمان من خلال مظاهر السلوك المتعاون، المتسامح، المحبّ، الودود، الصافح، الغافر، الذي لا يخرجه غضبه عن طاعة ولا يدخله في معصية، الذي يكفّ شرّه عن الناس ويكفيهم مؤونته، الهاش، الباش... إلى غير ذلك من أنواع السلوك التي تجعل الناس في مأمن من شرور المؤمن، بل تجعله في نظرهم صورة من عطاء الخير والجمال.
لكن ما الذي يدعوه إلى ارتكاب المعصية في استعمال العنف مع المؤمنين من أبناء بيئته ومحيطه، رغم تلك الصورة التي يجب عليه تقديمها؟
ـ من أسباب ارتكاب العنف
في العودة إلى الدين في سبيل تحصيل أسباب ممارسة العنف مع الآخرين، نجد مجموعة من العناوين التي تشكّل مناشئ ودوافع إلى ذلك. منها:
أ ـ انعدام التقوى:فإنه رغم تظاهر الناس بالإيمان ـ وما أكثرهم ـ، فإنّ تقوى الإنسان تعتبر أبرز الروادع عن أذية الآخرين. كما أنّ انعدامها يعتبر من أكبر الحواجز التي تزول من أمام ركوب مطية الشر إلى أبعد الحدود. وهذه قصة إبنيْ آدم أكبر شاهد على هذه الحقيقة.
قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ 3.ثم يقول تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ 4.
ب ـ الإنجرار وراء الغضب:إنّ الغضب مفتاح لكل الشرور فقد ورد "أنّ رجلاً استوصى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقال له: "لا تغضب". قال الرجل: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما قال، فإنّ الغضب يجمع الشر كله" 5.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : "الغضب يثير كوامن الحقد"6.
وإنّ الحقد يصبح دافعاً قوياً للمرء للإسراع بردّات الفعل، ويجعلها أكثر حدّةً وعنفاً.
وعنه عليه السلام : "الغضب شرّ، إنّ أطعته دمّر" 7.
ومن أين يأتي الدمار، حيث أبرز مصاديقة العنف الذي يلحق الأذى بالنفس والغير، ويصبح كرة ثلج متدحرجة، كلما تقدمت كبرت، حتى تصبح نائية عن حصر ضررها، وناراً يعجز العقلاء عن إطفاء شيء من شررها. حتى تصل إلى إمكانية أنْ تودي بصاحبها إلى القتل في الدنيا ودخول النار في الآخرة.
فعنه عليه السلام : "من أطلق غضبه تعجّل في حتفه"8.
بل يمكن أنْ يكون الانسياق وراء الغضب سبباً للقيام بأي عمل يعبّر فقدان الاستفادة من العقل، عن الطيش والبله، فعن أمير المؤمنين عليه السلام : "بكثرة الغضب يكون الطيش" 9.
وعنه عليه السلام : "الغضب مركب الطيش"10.
ج ـ الحدّة في التعامل مع الآخرين:فإنّ الحدّة هي في الأصل ضرب من الغضب، فإذا تكررت ولم يعمل المرء على مواجهتها وإيلائها اهتماماً كافياً، استحكمت وتحولت إلى طبع منفّر. وعند ذاك تصبح معاملة صاحبها مع الآخرين على وفقها مدعاة لاستدراج ردات الفعل المشابهة، لا سيما عند الذين في طبعهم حدّة مثله. وذلك سبب إضافي من أسباب وصول الأمور حدّ الأذية وممارسة العنف المتطور من الكلام إلى الحركات إلى استعمال اليد، ثم استعمال ما تطاله اليد. وهنا تقع الكارثة.
في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام : "الحدّة ضرب من الجنون، لأنَّ صاحبها يندم. فإنْ لم يندم، فجنونه مستحكم" 11.
أي، أنها تؤدي إلى الغضب الشديد الذي يفقد المرء معه صوابه وعقله. فعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصية له: "إياك والغضب، فأوله جنون وآخره ندم"12.
يعني أوله حدّة في التعامل، وآخره يدفع إلى الندم لأن المرء معه يفقد عقله، وعند فقدان العقل قد يرتكب المرء أي شيء يندم عليه.
فعن الإمام الصادق عليه السلام : "من لم يملك غضبه لم يملك عقله" 13.
خاتمة
ما نراه اليوم في واقعنا من تفشٍّ للعنف يصل حدّ استعمال السلاح، إنما يعبّر عن ضعف ركائز الشخصية الإيمانية في مجتمعنا، وهذا مما يدعو إلى تركيز المؤمنين أكثر على مراقبة أنفسهم ومحاسبتها، قبل الوقوع في أمور تفسد عليهم الدنيا وتجعلهم يخسرون الآخرة.
1- المائدة: 30.
2- الفتح: 29.
3- المائدة: 27 ـ 28.
4- المائدة: 30.
5- الترغيب والترهيب، ج3، ص445، ح2.
6-غرر الحكم ودرر الكلم للقاضي الآمدي، الحكمة 2164.
7-نفس المصدر، الحكمة 1220.
8-الحكمة 7948 من نفس المصدر.
9-نفس المصدر، الحكمة 4264.
10- نفس المصدر، الحكمة 808.
11- نهج البلاغة، الحكم القصار، حكمة 255.
12- غرر الحكم، الحكمة 2635.
13- الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص305، ح13.