محاور الموضوع الرئيسيّة:
1- فلسفة تشريع الحجاب في الكتاب والسنة.
2- مساوئ التبرج والاختلاط والآثار الناتجة عنه.
3- دور الحجاب في تحصين المجتمع.
الهدف:
نشر ثقافة الحجاب المراعي للشرائط الشرعية والتحذير من الآثار السلبية الناتجة عن التبرج.
تصدير الموضوع:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾1 .
مدخل:
لقد لقيت المرأة المسلمة من التشريع الإسلامي عناية فائقة كفيلة بأن تصون عفتها، وتجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان. وإن الشروط التي فرضت عليها في ملبسها وزينتها لم تكن إلا لسد ذريعة الفساد الذي ينتج عن التبرّج بالزينة، وهذا ليس تقييداً لحريتها بل هو وقاية لها من أن تسقط في درك المهانة، ووحل الابتذال، أو تكون مسرحاً لأعين الناظرين.
1- فضائل الحجاب
أ- الحجاب طاعة لله عز وجل وطاعة للرسول: أوجب الله طاعته وطاعة رسوله فقال: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾2.
وقد أمر الله سبحانه النساء بالحجاب فقال تعالى: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾3.
وقال سبحانه: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾4.
ب- الحجاب عفة: قد جعل الله تعالى التزام الحجاب عنوان العفة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾5 ، لتسترهن بأنهن عفائف مصونات فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله سبحانه ﴿فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
ج- الحجاب طهارة: قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾6. فوصف الحجاب بأنه طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات لأن العين إذا لم تر لم يشته القلب، ومن هنا كان القلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر لأن الحجاب يقطع أطماع مرضى القلوب: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾7.
د- الحجاب تقوى: قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾8.
هـ- الحجاب إيمان: والله سبحانه وتعالى لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ﴾ وقال الله عز وجل: ﴿وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ﴾.
و- الحجاب غيرة: يتناسب الحجاب أيضاً مع الغيرة التي جُبل عليها الرجل السوي الذي يأنف أن تمتد النظرات الخائنة إلى زوجته وبناته. وكم من حرب نشبت في الجاهلية والإسلام غيرة على النساء وحمية لحرمتهن، قال الامام علي عليه السلام: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج أي الرجال الكفار من العجم في الأسواق ألا تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار"9.
2- قبائح التبرج
أ- التبرج يجلب اللعن والطرد من رحمة الله: قال رسول الله:"سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البخت(أي الابل), العنوهن فإنهن ملعونات"10.
ب- التبرج من صفات أهل النار: قال رسول الله: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات"11.
ج- التبرج تهتّك وفضيحة: قال رسول الله: "أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها، فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل"12.
د- تبرج الجاهلية: قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُولَى﴾13. وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوى الجاهلية بأنها منتنة أي خبيثة, فدعوى الجاهلية شقيقة تبرج الجاهلية.
هـ- التبرج باب شر مستطير: وذلك لأن من يتأمل نصوص الشرع وعبَر التاريخ يتيقن مفاسد التبرج وأضراره على الدين والدنيا، لا سيما إذا انضم إليه الاختلاط المستهتر.
فمن هذه العواقب الوخيمة:
- تسابق المتبرجات في مجال الزينة المحرمة، لأجل لفت الأنظار إليهن.. مما يتلف الأخلاق والأموال ويجعل المرأة كالسلعة المهينة.
- ومنها: فساد أخلاق الرجال خاصة الشباب ودفعهم إلى الفواحش المحرمة.
- ومنها: المتاجرة بالمرأة كوسيلة للدعاية أو الترفيه في مجالات التجارة وغيرها.
- ومنها: الإساءة إلى المرأة نفسها باعتبار التبرج قرينة تشير إلى سوء نيتها وخبيث طويتها مما يعرضها لأذية الأشرار والسفهاء.
- ومنها: تسهيل معصية الزنا بالعين: قال عليه الصلاة والسلام: "العينان زناهما النظ"
3- شروط الحجاب الشرعي هي
أ- أن يكون ساتراً لجميع البدن: أجمع أئمة المسلمين كلهم لم يشذ عنهم أحد على أن ما عدا الوجه و الكفين من المرأة داخل في وجوب الستر أمام الأجانب، إلا إذا دعت لذلك ضرورة كالطبيب المعالج، والخاطب للزواج، والشهادة أمام القضاء.
ب- ألا يكون زينة في نفسه، أو مبهرجا ذا ألوان جذابة تلفت الأنظار، لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾14 ومعنى ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ أي بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز إبداؤه، و لا يسمى حجاباً، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب. فيجب أن يراعى فيه أن يكون من لون داكن، وأفضل الألوان لذلك اللون الأسود لأنه أبعدها عن الزينة و الفتنة، كما يجب أن يكون خاليا من الزخارف و الوشي مما يلفت النظر.
ج- أن يكون سميكاً لا يشف ما تحته من الجسم، لأن الغرض من الحجاب الستر، فإن لم يكن ساترا لا يسمى حجابا لأنه لا يمنع الرؤية، و لا يحجب النظر.
د- أن يكون فضفاضاً غير ضيّق ولا يجسم مفاتن البدن، ولا يظهر أماكن الفتنة في الجسم، وما تفعله بعض المتحجبات من ارتداء ملابس محددة للخصر و الصدر كالبلوزة و التنورة، و لو كانت طويلة، لا يفي بشروط الحجاب الصحيح.
هـ- ألا يكون الثوب فيه تشبّه بالرجال، أو مما يلبسه الرجال، "لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، و المرأة تلبس لبسة الرجل"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : لعن الله المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء"أي المتشبهات بالرجال في أزيائهن و أشكالهن، كبعض نساء هذا الزمان"15.
و- ألا يكون ثوب شهرة، لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : "من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة"16 و ثوب الشهرة هو الثوب الذي يقصد بلبسه الاشتهار بين الناس كالثوب الذي إذا لبسته المرأة أشير إليها بالبنان.
4- دور الحجاب في تحصين المجتمع
إن تشريع الحجاب في الإسلام معناه وهدفه السامي الحقيقي هو منع الخلاعة بكل ما لها من صور وأشكال، وبكل ما فيها من مفاسد وأضرار، وغلق كل منافذ الانحلال الأخلاقي، ووقاية المجتمع البشري من الانحدار إلى مهاوي الشر وحضيض الفساد المدمر للحياة بكاملها، وقد أثبتت الشواهد أن التبرج والاختلاط الجنسي هو العامل الأكبر في حصول التمرد الأخلاقي.وها هم عقلاء الغربيين يستغيثون ولا يغاثون من ويلات الاختلاط والتبرج والفوضى الجنسية ومن تبعاتها المسعورة التي لم ولن تقف دون الدمار الشامل. وطالما حذر الإسلام، وشدد القرآن والسنة المطهرة على مساوي الاختلاط وكوارثه، روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "النظرة سهم من سهام إبليس، ورُبّ نظرة أورثت حسرة يوم القيامة، وإنّ زنا العين النظر".﴿يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
والاسلام حين أوجب الحجاب وحرم السفور والتبرج، إنما يرسي قواعد الأخلاق والمثل التي تحمي الانسان وأفراده ومجتمعه، وأحكامه وبما فيها الحجاب تمثل ظواهر تحضر تبعد الانسان عن وحشية التعرِّي وجاهلية التبرّج، مشيراً إلى أن التبرّج يمثل رجعية مغرقة في القدم والتخلّف كما هو صريح قوله عزّ اسمه ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
ووردت في القرآن الكريم آيات صريحة تدل على فلسفة وجوب الحجاب وآثاره الفردية والاجتماعية، قال تعالى:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ﴾ 17.
ويقول سبحانه: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾18، ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾19 ، إلى العديد من آيات الكتاب العزيز التي تؤكد على تشريع الحجاب ووجوبه على النساء باعتباره حكماً شرعياً ملزماً وجزءاً من الاسلام والايمان، يجب الاعتقاد به والعمل بموجبه وان الاخلال به عقيدة اخلال بالاسلام والايمان، كما ان الاخلال به عملياً مبطل للصلاة والحج والطواف.
وفي مواجهة الأمراض النفسية والأخلاقية يأتي تحريم الخضوع بالقول واللين المريب والمغري بالريب، وفجور النفوس وأهوائها }فلا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولاً معروفاً{خالياً من الميوعة، ورقة المقول المؤدية أو المغرية بالتجاوب المشبوه، مع التأكيد على الاستقامة ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾.
ورغم صرامة الأحكام وصراحتها في التحريم والتحذير والذم والتهديد بخسارة الدنيا وعذاب الآخرة.فان الآيات الكريمة تفتح باب التوبة وتحث على دخولها وتدعو المتورِّطين في المخالفات والسيئات للتوجّه إلى الله تعالى بالتوبة والانتفاع من العفو الإلهي الذي أعدّه الله تعالى للتائبين المخلصين الراجعين إليه ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾
1-الأحزاب 59.
2-الأحزاب:36.
3-النور:31.
4-الأحزاب:33.
5-الأحزاب:59
6-الأحزاب:53
7-الأحزاب:32.
8-الأعراف:26.
9-كنز العمال، ج3، 78.
10-مستدرك سفينة البحار،ج10، ص52.
11-مسند أحمد، ج2، 223.
12-مسند أحمد، ج6، 173.
13-الأحزاب:33.
14-النور:31.
15-مستدرك الوسائل،ج14،ص353.
16-مستدرك الوسائل،ج3، ص245.
17- النور:30-31
18- الأحزاب:32
19-الأحزاب:33