محاور الموضوع ألرئيسة:
1 ـ علي عليه السلام في بيت الحبيب صلى الله عليه وآله.
2 ـ في حجر الحبيب صلى الله عليه وآله.
3 ـ تعهّد النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام.
4 ـ أثر التعهّد النبوي لعلي عليه السلام.
الهدف:
بيان التربية النبوية لفتاه علي عليه السلام.
التفاعل العلوي المنقطع النظير.
تصدير الموضوع:
قال أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله: "يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَماً، ويأمرني بالاقتداء به".1
ـ إلماع:
المتتبّع للأخبار المتحدّثة عن العلاقة الخاصة التي تربط بين شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام، يعلم أنّ ما جمع بينهما لم يكن له نظير ولا يكون؛ وأنّ هذه العلاقة ليست أمراً مستجدّاً في عالم الدنيا، إنما هي وشيجة ثابتة في صقع التكوين الأول، ولقد عاشا في الدنيا معاً ويحشران في الآخرة على غير ما يحشر عليه الخلق.
إنّ ما نقدّمه فيما يلي هو شذرات عن تلك العلاقة التي جمعت بين النبي صلى الله عليه وآله الذي تقدّم ابن عمّه سنّاً بنحوٍ من ثلاثين عاماً، وكان قد كفله وتعهّد معيشته ورعايته في بيت الزوجية، بعد أنْ غُلب أبو طالب على أولاده، لكثرة العيال وقلّة المال واشتداد عسرة الأموال.
إلى بيت الحبيب صلى الله عليه وآله
روى ابن هشام في سيرته والطبري في تاريخه وابن أبي الحديد في شرح النهج وغيرهم عن مجاهد قال: "كان من نعمة الله عزَّ وجلَّ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وما صنع الله له، وأراد به من الخير، أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ يا عباس، إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا، فلنخفّف عنه من عياله، آخذ من بيته واحداً، وتأخذ واحداً، فنكفيهما عنه. فذهبا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام وضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً (رضوان الله عليه)، فضمه إليه، فلم يزل عليّ بن أبي طالب عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بعثه الله نبيّاً، فاتّبعه علي عليه السلام، فأقرّ به وصدّقه".2
ونقل الطبري عن محمد بن إسحاق، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا حضرت الصلاة، خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب عليه السلام متخفياً من عمه أبي طالب، ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصلّيان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا".3
ـ في حجر الحبيب صلى الله عليه وآله:
الروايات المتقدّمة تثبت أثراً من التربية، قلّ أنْ نرى له مثيلاً، وتؤكد أنّ قوة اليقين التي ضجّت بها نفس علي بن أبي طالب عليه السلام، دفعت بالنبي صلى الله عليه وآله ليعرض عليه ما عرض له من أمر الوحي، وجعلت من هذا الصبي الذي لم يبلغ الحلم بعدُ أول من آمن بالرسالة وصلى قبل الناس مع النبي صلى الله عليه وآله بسبع سنين ينقل ابن أبي الحديد عن الطبري، عن المنهال بن عمرو، قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: "أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصّدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفترٍ؛ صلّيت قبل الناس بسبع سنين".4
ـ التعهّد النبوي:
كان النبي صلى الله عليه وآله يتعامل مع فتاه علي عليه السلام مذ وطئت قدماه الدار تعامل الحاني المحب والشفيق الودود، ويصف الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ذلك في نهج البلاغة في الخطبة المسماة بالقاصعة فيقول:"وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده، ويُشمّني عَرْفه (رائحته الذكية). وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه".5
إنّ هذا التعهّد النبوي يبيّن ـ من خلال الخطبة ـ أنّ طبيعة العلاقة بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أمير المؤمنين عليه السلام لا تشبهها علاقة أبداً، فهي فوق علاقة الأخوّة المتعارفة، وهي غير علاقة الأبوّة والبنوّة المتعارفة، بل هي أرقى من ذلك، وهي مما لا يمكن أنْ نجد له تفسيراً في مختلف أنواع العلاقات القائمة بين العباد، والمصنّفة إيجابياً.
روى الفضل بن العباس بن عبد المطلب، قال: سألتُ أبي عن ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الذكور، أيّهم كان رسول صلى الله عليه وآله أشدّ حبّاً؟ فقال: علي بن أبي طالب عليه السلام. فقلت: سألتك عن بنيه، فقال: إنه كان أحبَّ إليه من بنيه جميعاً وأرأف. ما رأيناه زايله (فارقه) يوماً من الدهر منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفر لخديجة. وما رأينا أباً أبرّ بابن منه لعليّ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من عليّ له".6
ـ الأثر التربوي للتعهد النبوي:
قد مرّ معنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان شديد العناية بفتاه، حتى أنه لم يفوّت وسيلة إلا واتبعها في تأكيد العرى الإيمانية في تربيته لعلي عليه السلام.
من الأدوات التربوية التي استخدمها صلى الله عليه وآله:
1 ـ إغداق العطف: فإنّ علياً عليه السلام قال: "موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة".
ـ "وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره".
ـ "يكنفني فراشه".
ـ "يشمّني عَرْفه" (رائحته الطيبة).
ـ "كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه"، ويقول الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام: "سمعتُ زيداً أبي عليه السلام يقول: كان رسول الله يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم عليّ عليه السلام وهو صغير في حجره".7
2 ـ القدوة الحسنة: في رواية الفضل:
ـ إنّ النبي صلى الله عليه وآله كان أشدّ حباً لعلي عليه السلام حتى من جميع أبنائه، وأرأف عليه.
ـ ما رأيناه زايله (فارقه) يوماً من الدهر منذ كان طفلاً.
ـ ما رأينا أباً أبرّ بابن منه لعليّ.
ـ "لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه.
ـ يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به".8
وأما الأثر التربوي الذي يمكن أن نلمسه في عليّ عليه السلام من التعهد النبوي، فعدا عن الأثر الخالد في شخصية هذا الإمام العظيم في جميع أبعادها، يمكننا أنْ نأخذ بعض الآثار من كلماته عليه السلام، ومن بعض الروايات: يقول عليه السلام:
ـ "وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل".9
ـ صلى عليه السلام قبل الناس طرّاً بسبع سنين.
ـ "أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة".10
ـ "أسمع ما يسمع رسول الله، وأرى ما يرى".11
ـ قال عليه السلام: "علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من الحلال والحرام؛ ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب".12
1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.
2- السيرة النبوية لابن هشام، ج1، ص262 والكامل في التاريخ لابن الأثير، ج2، ص58، وتاريخ الطبري، ج2، ص213.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج13، المجلد السابع، ص127 ـ 128.
4- شرح نهد البلاغة لابن أبي الحديد، المجلد السابع، ص138.
5- نهج البلاغة، الخطبة 192 المسماة بالقاصعة، ص434.
6- ابن أبي الحديد في شرح النهج، المجلد السابع، ص138.
7- ابن أبي الحديد في شرح النهج، المجلد السابع، ص138.
8- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ص434.
9- (الخطأ الناشئ من عدم الروية)/الخطبة القاصعة
10- القاصعة.
11- نفس المصدر.
12- كتاب الخصال للشيخ الصدوق، ص414، ج4.