محاور الموضوع ألرئيسة:
1- الشهر شهر الله.
2- أدب دخول الشهر الكريم.
الهدف:
إبراز مدى أهمية ما يقوم به المكلف في آخر شعبان، استعداداً للدخول في ضيافة الله تعالى في شهر رمضان المبارك ونيل العطايا الإلهية.
تصدير الموضوع:
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: "إنّ شعبان قد مضى أكثره وهذا آخر جمعة فيه، فتدارك فيما بقي تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يَعنيك، وأكثر من الاستغفار وتلاوة القرآن، وتُبْ إلى الله من ذنوبك، ليُقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عزّ وجلّ".1
الشهر شهر الله:
إنّ شهر رمضان المبارك هو مقطعٌ زمنيّ خاص من السنة، نسبه الله تعالى إليه دون بقية الشهور مع العلم أنّ كلّ الأيام والشهور والسنين والأزمنة هي لله تعالى. لكنّ الله خصّ شهر رمضان وميّزه عن كل شهور السنة. فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان المبارك، كما روى عنه أمير المؤمنين عليه السلام:
"أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة.."2، وقد عظم الله تعالى فيه الجوائز، وأجزل فيه العطايا، وضاعف فيه الهدايا، حيث:
"من تطوّع فيه بصلاة، كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً، كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ، ثقّل الله ميزانه يوم تخفّ الموازين، ومَنْ تلا فيه آية من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور".3
أدب دخول الشهر الكريم:
حيث إنّ الذهاب إلى المساجد باعتبارها بيوتاً نسبها الله إلى نفسه يستدعي أدباً خاصاً، من تطهير الثوب وتنظيفه، إلى التطهّر من الحدثين الأصغر والأكبر، إلى تطهير البدن. ويستدعي أيضاً تهيئة النفس واستحضار المهابة الإلهية.
وحيث إنّ شهر رمضان المبارك هو شهر نسبه الله تعالى إلى نفسه دون بقية الشهور، فيجب أنْ نراعي آداباً خاصة في استقباله والدخول إليه، إذاً هو شهرٌ دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجُعلتم فيه من أهل كرامة الله.4
ومن هذه الآداب:
1- إخلاص النيات في الأعمال المنوي القيام بها في شهر رمضان، فريضة أو تطوّعاً. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة"5، ويجب أن يُخلي المرء قلبه من غلّ الأحقاد والضغائن والكراهية، وأن يُخرج من قلبه كل المشاعر التي تخدش طهارته وتُسيء إلى نقائه.
2- توطين النفس على تحمّل مستلزمات الصوم ومشاقّه، وما يتطلّبه القيام بالأعمال المستحبة من جهدٍ وتقديم له على راحة النفس والبدن. والاقتناع بأنّ ما يُعدّه الله من ثواب لقاء هذه الأعمال الصالحة والخالصة لوجهه الكريم، لا يقاس به كل ما يدفعه المكلّف من أثمان، من الوقت إلى الجهد، إلى المال "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".6
"ومن أكرم فيه يتيماً، أكرمه الله يوم يلقاه"7 و"من فطّر فيه صائماً مؤمناً في هذا الشهر، كان له بذلك عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل يا رسول الله، وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء".8
3- البدء بتعويد النفس على هذه الأعمال، فإنّ من المعلوم أنّ من لم يهيّئ نفسه لتحمّل مشقّات الطريق، فإنه لن يتمكن من مواصلتها، بل على المرء أنْ يتعوّد الأعمال التي تقرّب من الله ويستحضر رضا رب العالمين، حتى يستشعر اللذة في الطاعة، ويستزيد الله تعالى التوفيق إلى المزيد، وإلاّ فإنّ همّته سوف تضعف والفتور سوف يصيبه، وهذا ما يراه أكثر المكلّفين قد اعتراهم، ومعلوم أنّ ذلك يكون لسببين:
1- الأول عدم تعويد النفس على مثل هذه الأعمال.
2- تسويلات النفس الأمارة بالسوء، حيث يكون شرط الإخلاص ضعيفاً، أو غير متوفر أصلاً.
قال عليه السلام في دعاء نهار شهر رمضان "... وأذهب عني فيه النعاس والكسل، والسّآمة والفترة والقسوة، والغفلة والعزة...".9
ويتحدث العلامة المجلسي عن "صنف من الصائمين دخلوا دار ضيافة الله في شهر رمضان، والقلوب غافلة والهمم متكاسلة، والجوارح متثاقلة، فحالهم كحال من حمل هدايا إلى ملك ليعرض عليها وهو كاره لحملها إليه، وفيه عيوب تمنع من قبولها والإقبال عليها".10
4- الاستغفار والتوبة، حتى يُقبل المرء على شهر رمضان، مغفور الذنوب، نقي القلب، عازماً على الطاعة وترك المعصية بتوفيق من الله. عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: "دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام، في آخر جمعة من شهر شعبان، فقال لي: "يا أبا الصلت، إنّ شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة فيه، فتدارك فيما بقي تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يَعنيك. وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتُبْ من ذنوبك، ليقبل شهر رمضان إليك وأنت مخلص لله عزّ وجلّ. ولا تدَعنّ أمانة في عنقك إلاّ أدّيتها، وفي قلبك حقداً على مؤمن إلاّ نزعته، ولا ذنباً أنت مرتكبه إلاّ أقلعت عنه. واتّقِ الله وتوكّل عليه في سرّ أمرك وعلانيتك }وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {.11
وأكثر من أنْ تقول فيما بقي من هذا الشهر:
اللهم، "إنْ لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان، فاغفر لنا فيما بقي منه. فإنّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان".12
هذا، وهناك من الآداب والشرائط يجدر توفرها، إذا توفّرت الشرائط المتقدمة يسهل استحضارها.
1- عيون أخبار الرضا، ج، ص51.
2- نقل الخطبة كاملة الشيخ الصدوق في كتاب "الأمالي" / المجلسي العشرون، ص 84، ح 4.
3- ن. م، ص 85.
4- ن. م، ص 84.
5- ن، م، ص 84.
6- ن. م، ص 84.
7- ن، م. ص 85.
8- ن. م، ص 85.
9- دعاء نهار شهر رمضان، في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي/ ص 300، نقلاً عن مصباح المتهجّد للشيخ الطوسي، وكتاب إقبال الأعمال الحسنة للسيد ابن طاووس.
10- بحار الأنوار للعلامة محمد باقر المجلسي، ج94، ص 345.
11- الطلاق، 3.
12- عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق، ج2، ص 51، والإقبال، ج1، ص 42.