محاور الموضوع ألرئيسة:
1- النظرة المرتبكة.
2- ترجمة موجزة.
3- كريم آل محمد.
4- شواهد من جهاده عليه السلام.
5- إلجاء إلى الصلح.
الهدف:
توضيح بعض الظروف التي أحاطت بصلح الإمام الحسن عليه السلام، في سبيل جلاء الملابسات والإثارات حول هذا الموضوع.
تصدير الموضوع:
عن سعد بن زيد الأنصاري، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمل حسناً، ثم قال: "اللهمّ إني أحبّه، فأحبّه مرتين".1
-النظرة المرتبكة:
ليس هناك شخصية في تأريخ الإسلام تتمتّع بسمو الروح، ونقاء القلب، وصفاء السريرة، والقرب من الله تعالى، حتى اعتبرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقلاً عن جبرائيل عن الله "سيد شباب أهل الجنة".2
وهو ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الحسن والحسين هما ريحانتاي".3
وليس هناك شخصية تتصف بكرم النفس وعلوّ الهمّة، وحصافة الرأي والنظرة الثاقبة، وكمال العقل ورصانة الدليل ورهافة المشاعر وصدق الأحاسيس، ثم يعتريها مثل هذا الكمّ الهائل من التجاذب والتجنّي، من أصحاب الأهواء وأتباع الميول من جهة، ومن أصحاب النظرات القاصرة والآراء الخائبة، غير النافذة إلى قراءة حقائق الأمور وبلوغ مراميها.
ومما يُؤسف له أنّ الكثير من أصحاب هذه الصفات ساقتهم الظروف ليكونوا في مواقع التأريخ ونقل الأحاديث المغلوطة والمشوشة أحياناً، والمكذوبة والموضوعة أحياناً أخرى. حتى كاد يتكرس فَهمٌ مُلتبس لشخصية الإمام الحسن عليه السلام، لو أمكن إخفاء الشمس بأصابع اليدين. لكن، هيهات لمثل هذه الشخصية أن يخفى فضلها ويخبو ألَقَها وتنطفئ جذوة سطوعها وتوهّجها.
-ترجمة موجزة:
وُلد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليها السلام في النصف من شهر رمضان للسنة الثالثة للهجرة. وهو أول ثمرة لزواج النورين علي وفاطمة الزهراء عليها السلام .
أدرك من حياة جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنين وأشهراً، ومن حياة أمه الزهراء عليها السلام ثماني سنين إلا أشهراً، وعاصر أباه بعد أمه عليها السلام ثلاثين سنة تقريباً، وبقي بعد أبيه نحو عشر سنوات، واستشهد مسموماً بمؤامرة من معاوية بن أبي سفيان عام خمسين للهجرة، في عمره ثمانية وأربعين عاماً، ودُفن في مقبرة البقيع بالمدينة.4
-كريم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
لقد مثّل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام أعلى قيم الإسلام في إدراك الملهوف، وإغاثة المحتاج، وجسّد أسمى الأخلاق الإلهية في الجود والسخاء والكرم والعطاء حيث كان لا يُرجع فقير طرق بابه إلا وقد سدّ حاجته، ولا مهموم إلا وقد سكّن قلبه، وكتب السيوطي أنّ "الحسن كان له مناقب كثيرة، سيداً، حليماً، ذا سكينة ووقار، جواداً ممدوحاً".5
وقد سجّل المؤرخون صفحات زاخرة بالسخاء، فريدة بالعطاء الذي يبعث على الفخر والاعتزاز لدى كل موالٍ، إلى حدّ لا يدانيه كريم ولا يشبهه عظيم. وهذا مما يدلّ على ادباره عن مظاهر الدنيا وزهده فيها، فضلاً عن كرم النفس وسماحتها، حتى قال المؤرخون وكتّاب السِّيَر أنه عليه السلام "خرج من ماله مرتين لله، وقاسم الله ثلاث مرات، حتى كان يعطي نعلاً ويمسك نعلاً".6
-شواهد من جهاده عليه السلام:
كان عليه السلام رفيق أبيه في حروبه الثلاث وعلى مقدّم جيشه، "يتسابق مع أصحاب أبيه الشجعان، ويخترق صفوف الجيش بهجمات خطيرة وعنيفة" 7 وقد بلغ في اندفاعه وحماسته للتضحية في سبيل الله مبلغاً جعل أمير المؤمنين يطلب من أصحابه أن يمنعوه وأخاه الحسين من التقدم أكثر لئلاّ ينقطع نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.8
أما فيما خصّ إدارة الحرب، فقد كان ابن أبيه، "حيث دخل الكوفة في حرب الجمل وفيها أبو موسى الأشعري والي عثمان المعارض لأمير المؤمنين عليه السلام، ورغم ذلك تمكَّن من تعبئة تسعة آلاف مقاتل وبعث بهم إلى ساحة الحرب".9
-إلجاء إلى الصلح:
"انطلق الإمام الحسن عليه السلام إلى "النخيلة" وعسكر فيها وأرسل حجر بن عدي الكندي إلى الكوفة بعد عشرة أيام من النداءات المتكررة لم يجتمع فيها معه سوى نفرٌ قليل، حيث طلب منه أن يأمر العمال بالمسير واستنفار الناس للجهاد فتثاقلوا عنه، ثم خفّوا ومعه أخلاط من أربعة آلاف من الناس:
أ- بعضهم شيعته وشيعة أبيه، وبينهم عبيد الله بن العباس الذي اشتراه معاوية ببضعة آلاف من الدنانير.
ب- وبعضهم محكّمة (خوارج) يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة (بغضاً لمعاوية لا حبّاً بالحسن).
ج- وبعضهم أصحاب فتن وطمع بالمغانم.
د- وبعضهم شكّاك، لا يرون للحسن أية فضيلة على معاوية.
هـ- وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين".10
وأبلغ ما يمكن أن يصوّر جيش الإمام عليه السلام خطبته الجامعة من المدائن وهي آخر نقطة بلغها: "والله، ماثنانا عن أهل الشام شكّ ولا ندم، وإنما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسُلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع. وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. ألا وإنّا لكم كما كنّا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره. فأما الباقي، فخاذل، وأما الباكي، فثائر، ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإنْ أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزَّ وجلَّ بظبا السيوف، وإنْ أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا. فناداه القوم من كل جانب: البقيّة، البقية. فلّما أفردوه امضى الصلح".11
1- الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، ج3، القسم الأول، ص78.
2- صحيح الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام ، ح3778 ومسند أحمد بن حنبل، ج3، ص3. وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج9، ص231 بطرق عديدة وغيرها الكثير من المصادر كابن حجر في تهذيب التهذيب، والنسائي في صحيحه وفي خصائصه و....
3- أحمد بن حنبل في مسنده، ج2، ص85، بطرق عديدة وآخرون كثر.
4- أسد الغابة لابن الأثير الجزري، ج2، ص10، والإرشاد للشيخ المفيد، ص187، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب المازندراني، ج4، ص28، بتلخيص من الجميع.
5- تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي، ص189.
6- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص215، تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص190، وغيرهما.
7- مناقب ابن شهرآشوب، ج4، ص21.
8- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج11، ص25، شرح الخطبة 200.
9- الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج3، ص23.
10- الإرشاد، ص189، والفصول المهمة لابن الصبّاغ، ص167.
11- أسد الغابة، ج2، ص13.