محاور الموضوع ألرئيسة:
1-صدر الواجبات.
2-الإصلاح أمر ربّاني.
3-الإصلاح غاية العقلاء.
4-الإصلاح من أعظم الصدقات.
5-لا كذب في الإصلاح.
6-الإصلاح آخر وصايا أمير الشهداء عليه السلام.
الهدف:
إظهار أنّ الإصلاح بين المؤمنين هو عمل مأمور به من قبل الله تعالى، وهو من وصايا المعصومين عليهم السلام، لأنّ به تحقيق وتثبيت معاني الأخوّة الإيمانية.
تصدير الموضوع:
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في آخر وصاياه لولديه لما ضربه ابن ملجم لعنه الله... "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدّكما صلى الله عليه وآله وسلم يقول: اصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام".1
صدر الواجبات
اكتسبت العلاقات فيما بين أهل الإيمان أهمية فائقة، حيث دعا الإسلام إلى تعزيز الأواصر بين مَنْ تربطهم وشيجة الأخوة الإسلامية والإيمانية. لكن، لا يخفى أنّ القناعات والضرورات التي تجمع بين الناس، ربما تواجه في كثير من الأحيان بالطباع والأمزجة المتباينة، والأهواء والأطماع المتبادلة، والمصالح والغايات المتزاحمة.
فتنشأ من جرّاء ذلك الخلافات والنزاعات، وربّما بلغ الأمر في بعض الأحيان حدّ التقاتل والتناحر.
من هنا، نجد أنّ الشريعة الإسلامية السمحاء أولت الإصلاح بين الناس ولا سيما بين المؤمنين-أهمية بالغة، وجعلتها في صدارة الأولويات والواجبات.
-الإصلاح أمر ربّاني:
قال تعالى في كتابه الحكيم: ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.2
"وإنّ اصلاح ذات البين وإيجاد التفاهم وقلع الكدر والبغضاء من صدور المسلمين، وتبديل كل ذلك بالمحبّة يُعدّ من أهمّ الأغراض الإسلامية.
وكلمة "ذات" تعني الخلقة والبنية وأساس الشيء. والبين يعني حالة الإرتباط والعلاقة بين شخصين. فبناءاً عليه، فإنّ إصلاح ذات البين يعني إصلاح الارتباطات، وتقوية العلاقات، وإزالة عوامل التفرقة والنفاق".3
وقال تعالى في سورة الحجرات: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾4 تبين الآية طبيعة العلاقة التي تجمع بين المؤمنين، وهو نوع من العلاقات مجعول من قبل الله تعالى بحكم رابطة الإيمان والإسلام.
ويجب أن نلاحظ أنّ السعي في سبيل اصلاح ذات البين في بيئة أهل الإيمان هو من لوازم التقوى، كما يظهر من الآيتين أعلاه.
-الاصلاح غاية العقلاء:
إنّ تحقيق معنى الأخوّة بين المؤمنين، يستدعي إرادة الخير كلّ واحد للآخر، ونفي المشاعر السلبية كلها اتجاه الآخرين، كالحسد والحقد والغلّ والكراهية والبغضاء، واحلال مشاعر الود والمحبّة والرحمة والشفقة محلها، وتتطلب معاني الأخوّة حتى تتجلّى اضمار النوايا الحسنة للآخرين، وحملهم على المحامل الحسنة، وحسن الظنّ بهم. "حيث إنه في كثير من الأوقات تحل الروابط محل الضوابط، لذلك، يقول ذيل الآية "واتقوا الله"".5
والروابط التي تحل هنا، هي روابط القرابة والجيرة والحزبية والطائفية والمناطقية والقبلية وسواها، وهي روابط لا تدعو إلى العدل بين الناس، بل تدعو إلى نصرة القريب ولو كان ظالماً على البعيد ولو كان مظلوماً.
والضوابط هي ضوابط أمر الإسلام بها، وسنّ قوانينها وبيّنها، فالواجب في سبيل تصحيح العلاقات بين المؤمنين احلال الضوابط الإسلامية والعقلائية محل الروابط القبلية والعصبية.
وإننا نجد أنه وفي كل زمان، كما في هذا الزمان، تسنّ القوانين وتشرّع الأنظمة، وتُبنى الأجهزة والسلطات المختلفة في سبيل الاصلاح بين أفراد المجتمع، وهذا هو دأب العقلاء.
-الاصلاح من أعظم الصدقات:
ليست الصدقات التي أحبها الله تعالى، والتي تساعد في سدّ حاجات الناس، هي ما يوضع في يد الفقير والمحتاج. إنما هناك أنواع أخرى من الصدقات غير المالية قد تفوقها منزلة وأجراً، ومن أمثلة هذه الصدقات اصلاح ذات البين، ففي حديث عن محمد بن سنان، عن حمّاد بن أبي طلحة، عن حبيب الأحول، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "صدقة يحبّها الله، اصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا".6
وفي حديث آخر عن محمد بن سنان، عن أبي حنيفة سابق الحاج قال: مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثم قال: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده، حتى إذا استوثق كلّ واحد منا من صاحبه، قال: "أما إنها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن أصلح بينهما وأفتديها من مالي، فهذا مال أبي عبد الله عليه السلام ".7
-لا كذب في الإصلاح:
الكذب من مفاتيح المعاصي كما ورد في الروايات، وهو الموبقات الممقوتة أبداً، بل لا يكذب المؤمن وإنْ فعل غيره من المعاصي. ولكن، إذا كنت في صدد الإصلاح بين المؤمنين، فإذا كذبت من أجل الاصلاح فلست بكاذب، فعن أبي عبد الله عليه السلام: "المصلح ليس بكاذب".8
يعني إذا تكلّم بما لا يطابق الواقع فيما يتوقف عليه الإصلاح، فإنّ ذلك لا يُعدّ كذباً.
بل الاصلاح يحلّ المرء من يمينه إذا حلف، ويرخّص له بالحنث. فعن أبي عبد الله عليه السلام، في قول الله عزَّ وجلَّ: "﴿وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ﴾، قال: إذا دُعيت لصلح بين اثنين، لا تقل عليّ يمين لا أفعل"9 حيث إنه يمين غير راجح.
-الاصلاح آخر وصايا أمير الشهداء عليه السلام:
ففي وصية له عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام، لمّا ضربه ابن ملجم، لعنه الله، قال: "... أوصيكما وجميع ولدي، وأهلي، ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدّكما صلى الله عليه وآله وسلم يقول: صلاح ذات البين، أفضل من عامة الصلاة والصيام".10
1- نهج البلاغة، الخطبة 285، ص565.
2- سورة الأنفال، الآية: 1.
3- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لآية الله الشيخ مكارم الشيرازي، ج5، ص358.
4- سورة الحجرات، الآية: 10.
5- الأمثل، ج16، ص538، بتلخيص.
6- الكافي، للكليني، ج2، ص209، كتاب الإيمان والكفر، باب الإصلاح بين الناس.
7- الكافي، ج2، ص209.والمفضّل هو المفضل بن عمر صاحب الأمالي المشهورة، والختن: هو الصهر.
8- الكافي، ج2، ص210.
9- الكافي، ج2، ص210.
10- نهج البلاغة، الكلام 285، ص565. شرح الشيخ محمد عبده.