محاور الموضوع ألرئيسة:
1 ـ تحقيق معنى الإختلاط.
2 ـ الإختلاط مستلزم للنظر.
3 ـ حكم نظر الرجل إلى المرأة.
4 ـ حكم نظر المرأة إلى الرجل.
5 ـ اللوازم المدمّرة للإختلاط.
الهدف:
تسليط الضوء على إحدى أكثر الآفات الاجتماعية خطورة على الرجل والمرأة والأسرة، التي هي آفة الاختلاط المحرّم، وبيان بعض آثارها. وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم، حيث لم نتطرق إلى وخامة الآثار الفعلية الحاصلة.
تصدير الموضوع:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس في البدن شيء أقل شكراً من العين، فلا تعطوها سؤلها، فتشغلكم عن ذكر الله عزَّ وجلَّ" .1
ـ تحقيق معنى الإختلاط:
الإختلاط من الخلط، وهو جمع الأجناس المتباينة في ظرف واحد من الزمان والمكان. والإختلاط من الإفتعال، وهو في المصطلح عبارة عن إجتماع أفراد متعددين من الذكور والإناث في مجلس واحد. ومن هذا ما لا إشكال فيه، كاجتماع أفراد الأسرة الواحدة من المحارم، إخوة وأخوات، وآباء وأبناء، وفروع هؤلاء جميعاً.
ومن هذا ما قد ترافقه الكثير من الإشكالات لدى اجتماع أفراد من غير المحارم في محل واحد ومجلس واحد.
ـ الإختلاط مستلزم للنظر:
إنّ تجاور الجنسين في المجلس أو تلاصقهما، بحيث يؤدّي ذلك إلى شعور كلّ منهما بحرارة الآخر من وراء الثوب، إنّ هذا من الأمور التي لا يُرتاب في حرمتها وعدم جوازها.
وإنّ أدنى ما يمكن أنْ يحصل في مثل هذه المجالس هو نظر كلٍّ من أفراد الجنسين إلى بدن الجنس الآخر، إلى وجهه وشعره، ويديه ورجليه، هذا إذا لم يقم بجولة في نظره على مختلف أنحاء بدن الآخر.
نعم، هذا أدنى ما يمكن أن يحصل من تفاعل بين الجنسين، لا سيّما إذا اعتبرنا أنّ الإختلاط الذي يقع مورداً للنقاش، هو ما يقع غالباً عن قصد، من قبيل التزاور والسهرات، والجلسات المقصودة في الأماكن المختلفة، لا ذاك الذي يقع مصادفة أو عن غير قصدٍ، كالذي يحصل في أماكن الانتظار، أو في وسائل النقل، أو في الأماكن العامة وغيرها.
ـ حكم نظر الرجل إلى المرأة:
تتّفق كلمة الفقهاء على حرمة نظر الرجل إلى أيّ جزء من أجزاء بدن المرأة مع وجود التلذّذ والريبة، حتى إلى الوجه والكفّين. سواءٌ أكانت المرأة من المسلمات أم من غير المسلمات، وسواء أكانت من أهل الحضر أم من أهل البوادي، وسواء أكانت من اللواتي إذا نُهين ينتهين أم ممّن إذا نُهين لا ينتهين، وسواء أكان ذلك برضاها ورضا أوليائها أم كان من غير رضا من هؤلاء. وخلاصة القول، لا يجوز النظر المصحوب بالريبة والتلذّذ إلى أي جزء من أجزاء البدن مع التلذذ والريبة.
ولكن، من المعلوم أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف من جسدها أمام الأجنبي سوى الوجه والكفين.
وكذلك لا يجوز للرجل أن يحسّ أيّ جزء من أجزاء بدن المرأة الأجنبية، وهي التي يجوز له التزوج بها إذا لم تكن ذات بعل، ولا يجوز المصافحة ولا غيرها.
ـ حكم نظر المرأة إلى الرجل:
كل ما مرّ من حرمة نظر الرجل إلى المرأة الأجنبية ما عدا الوجه والكفين، ينطبق على نظر المرأة إلى الرجل، فإنه يحرم عليها أن تنظر إلى غير الوجه والكفين بلا ريبة في الرجل الأجنبي.
ـ اللوازم المدمّرة للإختلاط:
إنّ طول الوقت الذي يقضيه كلّ من الرجل والمرأة الأجنبيين، يستلزم تردّد النظر مرات عديدة كلّ منهما إلى الآخر. هذا مع تشارك كلّ منهما في أحاديث مشتركة ومن الدخول في نقاشات حامية.
أما مع انبساط الأحاديث المشتركة، والدخول في سجالات ونقاشات ذات طبيعة مثيرة للإهتمام، فإنّ النظرات قد تطول أكثر، ومع امتداد الوقت واستطالة الحديث، يصبح كلٌّ منهما معتاداً على النظر إلى الآخر، وعلى نظر الآخر إليه، إلى الوجه والكفين وإلى ما عداهما، وقد حذرت الأحاديث المأثورة عن المعصومين R من الآثار التي قد تكون مدمّرة ومهلكة للرجل وللمرأة وكذلك للأسرة والمجتمع.
أقل الآثار الاشتغال عن الذكر
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس في البدن شيء أقل شكراً من العين، فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله عزَّ وجلَّ" .2
وهذا ما يؤدّي بالمرأة إلى الغفلة عن الله تعالى، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إيّاكم وفضول النظر، فإنه يبذر الهوى، ويولّد الغفلة" .3
وهذا مما يدعو أهل القرب إلى تمنّي زوال نعمة النظر إذا كانت تؤدّي إلى زوال نعمة القرب. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "عمى البصر خير من كثير النظر" .4
وعند كثرة النظر واعتياد المرأة تركيز نظره على الآخر، تزداد الجرأة، ويمكن حينها للعين أن تملأ القلب من النظر إلى الآخر، وهذا من الأمور التي توعّد الله عليها أصحابها. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من ملأ عينه من الحرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلاّ أن يتوب" .5
وذلك، لأنّ كثرة تركيز النظر يؤدي إلى الشهوة والريبة واستثارة الغريزة. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا أبصرت العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة" .6
وعن الإمام الصادق عليه السلام في وصيّته لابن جندب: "يا ابن جندب، إنّ عيسى بن مريم عليه السلام قال لأصحابه: ... إياكم والنظرة، فإنها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه، ولم يجعل بصره في عينه" .7
وإذا تلاقت العيون وتكرّر ذلك، من دون وازع عن غضّها وإغماضها، فإنّ ذلك يبذر الهوى في القلب كما في الحديث السابق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وهذا مما يوقع المرأة في الافتتان، فيقع المحذور، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اللحظ رائد الفتن" .8
وهذا مما يجرّ إلى اتّباع خطوات الشيطان، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "العيون مصائد الشيطان" .9
وعن علي عليه السلام: "من أطلق ناظره أتعب حاضره، من تتابعت لحظاته دامت حسراته" .10
1- الخصال للشيخ الصدوق، ص629، ح 10.
2- كتاب الخصال للشيخ الصدوق، ص629، ح10.
3- بحار الأنوار للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، ج72، ص199، ح29.
4- تحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ص95.
5- البحار، ج 76، ص234، ح1.
6- غرر الحكم ودرر الكلم للقاضي الآمدي، الحكمة 4063.
7- تحف العقول، ص305.
8- غرر الحكم، الحكمة 1047.
9- غرر الحكم، الحكمة رقم 950. لا سيما في مثل هذه المجالس التي يطول مقامها.
10- البحار، ج 104، ص38، ح33.