محاور الموضوع ألرئيسة:
1- الحلال قوت المتقين.
2- طلب الحلال فعل النبيين عليهم السلام.
3- طلب الحلال أمر ربّاني.
4- الكدّ على العيال من أعظم الجهاد.
الهدف:
هو بيان ما لقيمة العمل في سبيل تحصيل المعاش للنفس وللعيال من المصادر الحلال، بعيداً عن الشبهات والمحرّمات. وبيان صعوبة هذا الأمر في مثل هذا الزمن.
تصدير الموضوع:
عن أبي عبد الله عليه السلام: "مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال".1
ـ الحلال قوت المتقين:
يُعتبر العمل في سبيل المعاش للنفس ولأفراد العائلة، من القضايا التي تسالم العقلاء على فضلها، وعلوّ منزلة صاحبها. بل، تعتبر عند أصحاب المعالي من سمات أهل المروءة والغيرة.
وهي كذلك مما ندب إليه التراث الإسلامي الخالد. لكن، ليس العمل كيفما كان هو الذي يندب إليه الإسلام، بل إنه يدعو إلى طلب الحلال، والكسب بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ويبعد عن الشبهات وعن الحرام.
ورد في الحديث عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي) قال: "قلت لأبي الحسن عليه السلام: جُعلت فداك، أدعو أن يرزقني الحلال.
فقال: أتدري ما الحلال؟
فقلت: جُعلت فداك، أما الذي عندنا، فالكسب الطيّب.
فقال: كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: الحلال قوت المصطفين، ولكن قل: أسألك من رزقك الواسع".2
ـ طلب الحلال فعل النبيين عليهم السلام:
يقول سبحانه وتعالى حكاية عن موسى الطريد الشريد في مدين، وهو النبيّ من أولى العزم الذي كان عزيز قومه، مكرّماً فيهم، وكان من قبل منعمّاً في قصر فرعون، يقول تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.3
ولأنه كان حَسَنَ التوكلَ على الله، طالباً للحلال، لم يلجأ إلى غيره، ساعياً لكسب الرضا في طلب القوت، والمأوى، والزوج في الحلال، وكل ذلك من أمور المعاش، بل من أساسيات المعاش.
قال تعالى على لسان شعيب عليه السلام: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ﴾.4
أي أنه طلب منه أن يكون أجيراً عنده لمدّة ثماني سنوات أو عشر سنوات، على أن يزوّجه إحدى ابنتيه، ويضاف إليه القوت والمأوى.
فماذا كان جواب موسى عليه السلام على هذا العرض؟ قال تعالى حاكياً عنه: ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾5. يعني، إنّ موسى قبل العرض، ولكن جعل لنفسه الخيار في الأجرة بين ثمان وعشر سنوات.
وهذا كان دأب الأنبياء من الأوّلين والآخرين، طلب الحلال، والسعي في سبيل ذلك. بل في الحديث عن معمّر بن خلاّد، عن أبي الحسن الثاني (الإمام الهادي عليه السلام )، قال: "نظر أبو جعفر عليه السلام إلى رجل وهو يقول: اللهم، إني أسألك من رزقك الحلال. فقال أبو جعفر عليه السلام: سألت قوت النبيين"6.
ـ طلب الحلال أمر ربّاني:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾7.
"نجد أنّ الطلب في القرآن الكريم للاستفادة من الأطعمة، يتكرّر مرات عدة مقترناً مع الحلال الذي يُباح تناوله، وليس عليه شائبة التحريم من قبل الله تعالى، ثم أن يكون هذا الطعام من الطيبات، وهي تتوافق مع الطبع والذّوق السليمين. حيث يقابلهما الخبيث والحرام. والخبيث هو مما تشمئز منه الطباع والأذواق السليمة، فيما الحرام هو ما فطره الله على الناس، ومعلوم أنّ الأصل في الأطعمة هو الحلّيّة والإباحة. فيما الأطعمة المحرّمة خروج على الأصل. أيّ أن الله تعالى أباح عباده كل مأكل إلا القليل، وفي ذلك توسعة عليهم"8.
ـ الكدّ على العيال من أعظم الجهاد:
إنّ الناظر إلى حال الاستثمارات وحركة المصارف والبنوك، وأنواع البيوع المختلفة، والحرف على أشكالها وأنواعها، يرى ما يعتريها من الربا والشبهات والغش والخداع، وانعدام الوفاء وقلّة الصدق والأمانة، إنّ الناظر والمتدبّر يستشعر صعوبة العمل والحفاظ على المال الحلال في مختلف المعاملات. لذلك، ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: "... مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال"9.
وورد في التهذيب، "مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال". وفي كلا الحالين، فإنّ المعنى هو أنّ مقارعة الأعداء في المعركة، والصبر على جراحات السيوف ومواجهتها أيسر على المرء من طلب الحلال. وفي ذلك كفاية للمتأمّل.
ولهذا، ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله".10
وفي حديث آخر، عن زكريا بن آدم القمي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: "الذي يطلب من فضل الله عزَّ وجلَّ ما يكفّ به عياله، أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ".11
وفي هذا دلالة على أنّ من يتجشّم عناء تحصيل ما يقيم به أود عياله، ويكفيهم السؤال، وذلّ الانكسار للناس، ويتمكن من تحصيل ذلك بالحلال فهو يفضل في أجره على المجاهد في سبيل الله. وتدفع الأحاديث باتجاه دفع العسر عن النفس والعيال واجتناب الحرام، وذلك من أعظم القربات. فعن أبي عبد الله عليه السلام: "إذا كان الرجل معسراً فيعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله ولا يطلب حراماً، فهو كالمجاهد في سبيل الله" 12
1- الكافي، ج5، ص161.
2- محمد بن يعقوب الكلبني في كتاب الكافي، ج5، باب الكسب الحلال، ص89، ح1.
3- سورة القصص، الآية: 24.
4- سورة القصص، الآية: 27.
5- سورة القصص، الآية: 28.
6- الكافي، باب الكسب الحلال، ج5، ص89، ح2.
7- سورة البقرة، الآية: 168.
8- "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل" لآية الله الشيخ مكارم الشيرازي، ج1، ص414- 417، بتلخيص.
9- الكافي، ج5، باب الحلف في الشراء والبيع، ص161، ح1.
10- الكافي، ج5، باب من كدّ على عياله، ص88، ح1.
11- نفس المصدر، ح2.
12- نفس المصدر، ح3.